مكافحة الفكر الضال

| عادل عيسى المرزوق

وقاية‭ ‬أم‭ ‬مكافحة‭ ‬أم‭ ‬مواجهة،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الوقاية‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬العلاج،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬أننا‭ ‬تأخرنا‭ ‬كثيرًا‭ ‬لدرء‭ ‬المخاطر؛‭ ‬لإبعادها‭ ‬بالحسنى‭ ‬عن‭ ‬ديارنا،‭ ‬بتربية‭ ‬نشئ‭ ‬ذي‭ ‬منعة،‭ ‬وجيل‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الذاتية‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسه،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬زمن‭ ‬الوقاية‭ ‬قد‭ ‬ولى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأجيال‭ ‬نضجت،‭ ‬ولقوافل‭ ‬تحركت،‭ ‬ولحدود‭ ‬تداخلت‭.‬

المواجهة‭ ‬أيضًا‭ ‬مازالت‭ ‬مبكرة‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬نستبعد‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر،‭ ‬ولم‭ ‬نلغِ‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬دوائر‭ ‬الصدام‭ ‬المباشر،‭ ‬فالجيل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يذهب‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬مع‭ ‬الريح‭ ‬يحتاج‭ ‬للخيار‭ ‬الثالث،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬المكافحة،‭ ‬أي‭ ‬المقاومة،‭ ‬أي‭ ‬التدريب‭ ‬والتوجيه،‭ ‬استخدام‭ ‬القوى‭ ‬الناعمة،‭ ‬وآليات‭ ‬البواعث‭ ‬الوطنية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬الاندماج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المتوازن،‭ ‬المتعادل،‭ ‬الموضوعي،‭ ‬والمتصالح‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭.‬

إعادة‭ ‬توجيه‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬وعمل‭ ‬مؤتمرات‭ ‬وطنية،‭ ‬تجمع‭ ‬منظومة‭ ‬التأثير،‭ ‬والأطراف‭ ‬جميعها،‭ ‬شباب‭ ‬وأكادميين‭ ‬وإعلاميين،‭ ‬ورجال‭ ‬سياسة‭ ‬واقتصاد،‭ ‬ومسئولين‭.‬

هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتمل‭ ‬العقد،‭ ‬وتتواصل‭ ‬الحلقات،‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوراق‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المجلد‭ ‬المعتمد،‭ ‬والتوصية‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬الفكر‭ ‬المواجه‭ ‬للفكر‭ ‬الضال‭ ‬هدفًا،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬القصد‭ ‬من‭ ‬المكافحة‭ ‬المصافحة،‭ ‬والغاية‭ ‬من‭ ‬السلام،‭ ‬التوافق‭ ‬والانسجام‭.‬

بلادنا‭ ‬تتعرض‭ ‬لهجمة‭ ‬إلكترونية‭ ‬شرسة،‭ ‬أبشع‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬النجوم،‭ ‬وأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬الجمعي‭ ‬للأمة،‭ ‬المواجهة‭ ‬سابقة‭ ‬لأوانها،‭ ‬والوقاية‭ ‬فات‭ ‬أوانها،‭ ‬حيث‭ ‬الفضاءات‭ ‬المفتوحة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬العابرة‭ ‬للمجرات،‭ ‬والتقنية‭ ‬المخترقة‭ ‬للنفوس‭ ‬قبل‭ ‬الحدود،‭ ‬وللموروث‭ ‬قبل‭ ‬المستقبل،‭ ‬وللتاريخ‭ ‬قبل‭ ‬المتبقي‭ ‬من‭ ‬أطلال‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭.‬

إن‭ ‬الفكر‭ ‬الضال‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬متخفيًا‭ ‬في‭ ‬إسوة‭ ‬حسنة،‭ ‬أو‭ ‬رافعًا‭ ‬شعارًا‭ ‬إنسانيًا‭ ‬براقًا،‭ ‬أو‭ ‬لافتة‭ ‬دينية‭ ‬محل‭ ‬جدل،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتخلل‭ ‬حياتنا‭ ‬العادية،‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬مأكلنا‭ ‬وملبسنا‭ ‬ومشربنا،‭ ‬ومختلف‭ ‬تفاصيل‭ ‬أيامنا‭ ‬والمتعثر‭ ‬من‭ ‬خطواتنا‭ ‬والمتشابه‭ ‬مع‭ ‬عادات‭ ‬الآخرين‭.‬

إن‭ ‬الفكر‭ ‬الضال‭ ‬يحتاج‭ ‬دائمًا‭ ‬لتعريف،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬السلوك‭ ‬المنحرف‭ ‬عن‭ ‬ثوابت‭ ‬اعتادت‭ ‬عليها‭ ‬جموع‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬وزمن‭ ‬محدد؟‭ ‬أم‭ ‬إنه‭ ‬الخلية‭ ‬الصامتة‭ ‬التي‭ ‬تنام‭ ‬طويلًا‭ ‬وتسكن‭ ‬تحت‭ ‬جلودنا‭ ‬ثم‭ ‬تصحو‭ ‬فجأةً‭ ‬وتنفض‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬غبار‭ ‬السنين‭ ‬وتبدأ‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬التكشير‭ ‬عن‭ ‬أنيابها،‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬سلام‭ ‬الآخر‭ ‬وقناعاته؟

هل‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬أم‭ ‬إنه‭ ‬التغييب‭ ‬المبرمج‭ ‬لعقول‭ ‬تائهة،‭ ‬ولأجيال‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬ولا‭ ‬هدف‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الحياة؟،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬العتمة‭ ‬بمفهومها‭ ‬المظهري‭ ‬الشكلي‭ ‬الرومانسي‭ ‬البديع؟‭ ‬أم‭ ‬إنها‭ ‬الضلال‭ ‬الذي‭ ‬يشجع‭ ‬على‭ ‬الاستسلام‭ ‬للخرافة،‭ ‬والاستبسال‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬والانصياع‭ ‬لأوامرها‭ ‬وبدعها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬المرتكب‭ ‬للفكر‭ ‬الظلامي‭ ‬من‭ ‬حماقات‭ ‬وانحرافات‭ ‬وانكسارات‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬الفكر‭ ‬الضال‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأوصاف‭ ‬والمظاهر،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬محل‭ ‬دراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬من‭ ‬مفكرين‭ ‬أكثر‭ ‬تجربة‭ ‬واستنارة،‭ ‬ومتطوعين‭ ‬أكثر‭ ‬وطنية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وشفافية‭ ‬ومهارة،‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال،‭ ‬هو‭ ‬فكر‭ ‬مرفوض‭ ‬مسبقًا‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ودخيل‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬أمم‭ ‬مازالت‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬بيوتها‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬