ومضة قلم

ثقافة التهرب من المسؤولية

| محمد المحفوظ

اعتاد‭ ‬الفرد‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يحيل‭ ‬الإخفاقات‭ ‬التي‭ ‬يمنى‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الحظ‭ ‬تارة‭ ‬أو‭ ‬النحس‭ ‬الملازم‭ ‬له‭ ‬تارة‭ ‬أخرى،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬جدا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الاستثناء‭ ‬أن‭ ‬يقر‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬القرار‭ ‬بأن‭ ‬سوء‭ ‬التخطيط‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الأخذ‭ ‬بالأسباب‭ ‬الكافية‭ ‬هو‭ ‬سبب‭ ‬الفشل،‭ ‬أمّا‭ ‬الهزائم‭ ‬القومية‭ ‬فإنّ‭ ‬العامل‭ ‬الذي‭ ‬يكمن‭ ‬وراءها‭ ‬هو‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وكأننا‭ ‬بمجرد‭ ‬الإقرار‭ ‬بهذا‭ ‬العامل‭ ‬نبرئ‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬مسؤولية‭.‬

قبل‭ ‬أيام‭ ‬استمعتُ‭ ‬إلى‭ ‬مسؤول‭ ‬عربيّ‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬هزيمة‭ ‬فريقه‭ ‬فكانت‭ ‬إجابته‭ ‬القاطعة‭ ‬والواثقة‭ ‬بأنه‭ ‬النحس،‭ ‬بالطبع‭ ‬عندما‭ ‬يرجع‭ ‬النحس‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬الحظ‭ ‬كسبب‭ ‬فإنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الآخرين‭ ‬أنه‭ ‬أخذ‭ ‬بكل‭ ‬الأسباب‭ ‬ولم‭ ‬يدخر‭ ‬الجهد‭ ‬للفوز،‭ ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬التبرير‭ ‬ينسحب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬حياتنا‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وعسكرية،‭ ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬يتذكر‭ ‬القول‭ ‬المنسوب‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬الكارثة‭ ‬المروعة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬67‭ ‬بالقول‭ ‬“انتظرناهم‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬فجاؤونا‭ ‬من‭ ‬الشرق”‭.‬

المفكر‭ ‬العربيّ‭ ‬سعيد‭ ‬ناشيد‭ ‬حلل‭ ‬الظاهرة‭ ‬قائلا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬طالعنا‭ ‬أننا‭ ‬العرب‭ ‬نشأنا‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬لا‭ ‬تشجعنا‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬أفعالنا‭ ‬ونتائج‭ ‬اختياراتنا،‭ ‬بيئتنا‭ ‬للأسف‭ ‬تشجعنا‭ ‬على‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬يرسب‭ ‬التلميذ‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬فيقول‭ ‬رسبوني،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬فشله،‭ ‬المسافر‭ ‬يأتي‭ ‬متأخرا‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬فيقول‭ ‬فاتني‭ ‬القطار،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬لا‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬كاهله،‭ ‬والأمثلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬تستعصي‭ ‬على‭ ‬الحصر‭ ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬العربيّ،‭ ‬عندما‭ ‬يتعرض‭ ‬المريض‭ ‬إلى‭ ‬الشمس‭ ‬فيمرض‭ ‬نجده‭ ‬يقول‭ ‬ضربتني‭ ‬الشمس‭ ‬أو‭ ‬أصابني‭ ‬البرد،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬الفاعل‭. ‬

عندما‭ ‬يفشل‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬المهنية‭ ‬أو‭ ‬العاطفية‭ ‬فإنه‭ ‬يحيل‭ ‬الأمر‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬الحظ‭ ‬أو‭ ‬العدو‭. ‬إنّ‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬بأساليب‭ ‬تربيتهم‭ ‬الخاطئة‭ ‬أحيانا‭ ‬يسهمون‭ ‬في‭ ‬تلقين‭ ‬أطفالهم‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬المغلوطة‭ ‬فنراهم‭ ‬يبررون‭ ‬لأبنائهم‭ ‬أخطاءهم،‭ ‬فعندما‭ ‬يصطدم‭ ‬الطفل‭ ‬بالطاولة‭ ‬ويبدأ‭ ‬الصراخ‭ ‬نراهم‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬يضربون‭ ‬الطاولة‭ ‬لإسكات‭ ‬الطفل‭ ‬وكأنهم‭ ‬يقولون‭ ‬له‭ ‬أنت‭ ‬لست‭ ‬المسؤول،‭ ‬بل‭ ‬المسؤول‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬آخر‭. ‬ويبقى‭ ‬أنه‭ ‬لكي‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمراض‭ ‬فالواجب‭ ‬عدم‭ ‬الركون‭ ‬لنظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬مرضا‭ ‬جماعيا‭.‬