فجر جديد

رجل من عالم آخر

| إبراهيم النهام

أثناء‭ ‬حضوري‭ ‬أخيراً‭ ‬لفعالية‭ ‬يوم‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الشقيق،‭ ‬بمركز‭ ‬الحراك‭ ‬الدولي‭ ‬بمدينة‭ ‬عيسى،‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬موقف‭ ‬انساني‭ ‬رائع،‭ ‬اكتشفته‭ ‬بمحض‭ ‬المصادفة‭ ‬أثناء‭ ‬دخولي‭ ‬لقاعة‭ ‬أخرى‭ ‬بالخطأ،‭ ‬تخص‭ (‬ذوي‭ ‬الهمم‭) ‬من‭ ‬رواد‭ ‬المركز‭.‬

حيث‭ ‬رأيتُ‭ ‬على‭ ‬بغته،‭ ‬أفراداً‭ ‬عدة‭ ‬يخدمونهم‭ ‬باهتمام‭ ‬بالغ،‭ ‬منهم‭ ‬زميل‭ ‬مهنة‭ (‬صحافي‭) ‬كان‭ ‬يبادلهم‭ ‬الأحاديث‭ ‬بمتعة‭ ‬وتركيز،‭ ‬ملبياً‭ ‬طلباتهم‭ ‬كلها،‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬للطعام،‭ ‬ومن‭ ‬مساعدتهم‭ ‬في‭ ‬تناوله،‭ ‬وفي‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭.‬

كان‭ ‬الجو‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القاعة،‭ ‬المزحومة‭ ‬بالجالسين‭ ‬على‭ ‬الكراسي‭ ‬الحديدية‭ ‬المتحركة‭ ‬والتي‭ ‬تنطق‭ ‬بالمعاناة،‭ ‬غارقاً‭ ‬في‭ ‬السعادة،‭ ‬والضحك،‭ ‬وتبادل‭ ‬الأحاديث‭ ‬العفوية‭ ‬التي‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يٌمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬به،‭ ‬بأنها‭ ‬نقية‭ ‬وإنسانية‭ ‬وصادقة‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬بخلاف‭ ‬المشهد‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭.‬

أحد‭ ‬الموجودين‭ ‬من‭ ‬النشطاء‭ ‬الاجتماعيين،‭ ‬وهو‭ ‬شخص‭ ‬أعرفُه،‭ ‬وأكن‭ ‬له‭ ‬احتراماً‭ ‬بالغاً‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بالحرف”‭ ‬سعادتي‭ ‬حين‭ ‬أكون‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحرومين،‭ ‬حين‭ ‬أخدمهم،‭ ‬وحين‭ ‬أرى‭ ‬الرضا‭ ‬في‭ ‬وجوههم،”‭.‬

ويضيف”‭ ‬أحرصُ‭ ‬أحياناً‭ ‬بأن‭ ‬احضر‭ ‬أبنائي‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬لكي‭ ‬أزرع‭ ‬بهم‭ ‬روح‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالآخرين،‭ ‬وهي‭ ‬مسئولية‭ ‬تبدأ‭ ‬بالإنصات،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بالمساعدة‭ ‬الكاملة‭ ‬والصبورة،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬مفاهيم‭ ‬الرجولة‭ ‬المبٌكرة،‭ ‬وأذكرك‭ ‬بأننا‭ ‬لن‭ ‬نعيش‭ ‬لأبنائنا‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬رجالاً‭ ‬بحق،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نرحل”‭.‬

استذكرت‭ ‬كلماته‭ ‬العميقة‭ ‬هذه،‭ ‬كرجل‭ ‬خارج‭ ‬قاموس‭ ‬وخارج‭ ‬المألوف،‭ ‬وأنا‭ ‬اقود‭ ‬سيارتي‭ ‬يومها‭ ‬عائدا‭ ‬للبيت‭ ‬بليلة‭ ‬صافية‭ ‬وهادئة‭.‬

‭ ‬تساءلت‭: ‬بالفعل‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نعود‭ ‬أبنائنا‭ ‬لزيارة‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نعلمهم‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬ليست‭ ‬سهلة‭ ‬دائماً‭ ‬وبأنها‭ ‬ليست‭ ‬سلة‭ ‬مجرد‭ ‬مصالح‭ ‬ونوايا‭ ‬شخصية‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬وأسمى،‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬أسبابا‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬وجدنا‭ ‬لأجلها،‭ ‬غير‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأنفسنا،‭ ‬منها‭ ‬مد‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬والتغيير‭ ‬للآخرين‭.‬