انتهاكات “السفارة” (5 - 5)

| عادل عيسى المرزوق

لكل‭ ‬فعل‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬مساوٍ‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المقدار‭ ‬ومضاد‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الاتجاه،‭ ‬هكذا‭ ‬تعلمنا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المواجهة‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬عند‭ ‬إحداث‭ ‬رد‭ ‬الفعل،‭ ‬وأن‭ ‬المقدار‭ ‬هنا‭ ‬يقاس‭ ‬بالاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬عارمة‭ ‬موجهة‭ ‬بإتقان‭ ‬قد‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس،‭ ‬و‭... ‬من‭ ‬يدري؟

مواجهة‭ ‬“السفارة”،‭ ‬مجتمعيًا‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬منكشفة‭ ‬على‭ ‬ذواتها‭ ‬وشخوصها‭ ‬وأمكنتها،‭ ‬لابد‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬الدولة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬مجتمع‭ ‬مدني‭ ‬ووزارات‭ ‬وهيئات‭ ‬مسئولة؛‭ ‬لمنع‭ ‬أية‭ ‬تجمعات‭ ‬لأعضاء‭ ‬في‭ ‬جمعيات‭ ‬خارج‭ ‬مقار‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات،‭ ‬وأن‭ ‬يصدر‭ ‬تشريع‭ ‬أو‭ ‬قرار‭ ‬ملزم‭ ‬بمنع‭ ‬عمل‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تتركز‭ ‬خطاباتها‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬التحريض‭ ‬والاختلاف‭ ‬مع‭ ‬الحاكم،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أحكام‭ ‬قاطعة‭ ‬ناجعة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تضل‭ ‬طريقها‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬“السفارة”‭ ‬كجمعية‭ ‬متكفئة‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬جماعات‭ ‬أخرى‭ ‬تدعي‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬تخصصها‭.‬

إن‭ ‬التجديد‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬والسلام،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬نقيم‭ ‬الحدود‭ ‬بغير‭ ‬سبب،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تقطع‭ ‬يد‭ ‬السارق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سرقة،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬نكفر‭ ‬مؤمنًا‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬أو‭ ‬التجديد‭ ‬جامحة،‭ ‬جارحة‭.‬

المسألة‭ ‬ليست‭ ‬شعارًا‭ ‬نحو‭ ‬جديد‭ ‬ولا‭ ‬لهاثًا‭ ‬خلف‭ ‬فعل‭ ‬مضارع‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬جمع‭ ‬تكسير،‭ ‬تسمية‭ ‬الأسماء‭ ‬بأسمائها،‭ ‬وتشبيه‭ ‬الأشياء‭ ‬بأشيائها،‭ ‬وانتقاد‭ ‬الأوضاع‭ ‬بأقوالها‭ ‬وأفعالها‭ ‬تحتاج‭ ‬دائمًا‭ ‬لتوثيق‭ ‬يقيني،‭ ‬لتوابع‭ ‬فقهية،‭ ‬لا‭ ‬لزلازل‭ ‬انتقامية،‭ ‬لإعادة‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها،‭ ‬وليس‭ ‬للشرب‭ ‬منها‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬الريح،‭ ‬الحصان‭ ‬أولا‭ ‬أم‭ ‬العربة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الحصان‭ ‬طائشا‭ ‬أو‭ ‬العربة‭ ‬طائشة،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الحصان‭ ‬مريضًا‭ ‬وصاحبة‭ ‬لا‭ ‬يقوي‭ ‬على‭ ‬التشبث‭ ‬باللجام،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إن‭ ‬احتراف‭ ‬آليات‭ ‬المواجهة‭ ‬بعد‭ ‬تحديدها‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬عمل‭ ‬دولة‭ ‬المؤسسات،‭ ‬بلدان‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المتطور،‭ ‬المغربل‭ ‬للسيئ‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬والفاشل‭ ‬في‭ ‬اجتهادات‭ ‬والدخيل‭ ‬من‭ ‬أفكار‭.‬

مجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬آمن‭ ‬فكريًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬ومحصن‭ ‬سياسيًا،‭ ‬وهو‭ ‬مجتمع‭ ‬يقبل‭ ‬بالأفكار‭ ‬المتحررة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الثوابت،‭ ‬وبالمشروعات‭ ‬المتحررة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المصالح‭ ‬المجتمعية‭ ‬المتعارف،‭ ‬بل‭ ‬والمتفق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الوطن‭.‬

إنما‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬الدخول‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الثوابت‭ ‬السماوية‭ ‬بافتراءات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الثوابت،‭ ‬والوثوب‭ ‬على‭ ‬حقائق‭ ‬كونية‭ ‬بالانصياع‭ ‬لخرافات‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬مجتمعية،‭ ‬أو‭ ‬جمعيات‭ ‬مرخص‭ ‬لها‭ ‬رسميًا،‭ ‬هنا‭ ‬ينبغي‭ ‬وضع‭ ‬الحدود،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تأصيل‭ ‬أسس‭ ‬التفكير‭ ‬البنيوي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مكافحة‭ ‬ازدراء‭ ‬الآخر،‭ ‬وتجريم‭ ‬تكفير‭ ‬المجتمع،‭ ‬ومنع‭ ‬تعكير‭ ‬صفوة‭ ‬المتناغم‭ ‬مع‭ ‬أدلته‭ ‬وثوابته‭ ‬وميزان‭ ‬وسطيته‭ ‬الحساس،‭ ‬لا‭ ‬للسفارة‭ ‬وألف‭ ‬لا،‭ ‬ولا‭ ‬لخزعبلاتها‭ ‬ومازال‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬جولات‭ ‬وجولات‭ ‬وبقية‭.‬