انتهاكات “السفارة” (4 - 5)

| عادل عيسى المرزوق

لكل‭ ‬شيء‭ ‬بداية‭ ‬ونهاية،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬بدايات‭ ‬جماعة‭ ‬“السفارة”‭ ‬حسب‭ ‬التقويم‭ ‬الزمني‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬هي‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬تهديد‭ ‬الثوابت،‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الفكر،‭ ‬فإن‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬سبقوا‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬قد‭ ‬حاولوا‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬الدهر،‭ ‬تارة‭ ‬بتجديد‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬وأخرى‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإصلاح‭.‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬الإمامين‭ ‬جمال‭ ‬الدين‭ ‬الأفغاني‭ ‬ومحمد‭ ‬عبده‭ ‬المنتميان‭ ‬لمدرسة‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬التقليدية‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬المعجبين‭ ‬بخطاب‭ ‬التوحيد‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬واقعي،‭ ‬وأن‭ ‬رحلة‭ ‬الإمام‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬تحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬الترنسفال‭ ‬بجوار‭ ‬جنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬قد‭ ‬لعبت‭ ‬دورًا‭ ‬إصلاحيًا‭ ‬مهمًا‭ ‬في‭ ‬تمدد‭ ‬الفكر‭ ‬التنويري‭ ‬الديني‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬جنوب‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭.‬

لكن‭ ‬هيهات‭ ‬بين‭ ‬“عروة‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬الوثقى”‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مجلة‭ ‬في‭ ‬منفاه‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وما‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعبث‭ ‬به‭ ‬جماعة‭ ‬“السفارة”‭ ‬رغم‭ ‬المشاهد‭ ‬الشكلية‭ ‬التوافقية‭ ‬التي‭ ‬يسوقها‭ ‬نفر‭ ‬منهم،‭ ‬هيهات‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬إصلاح‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭ ‬وبدع‭ ‬“السفارة”،‭ ‬وفرق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬مجتهد‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬مجتهد‭ ‬نصيب،‭ ‬وبين‭ ‬مدعين‭ ‬يتنافسون‭ ‬على‭ ‬صب‭ ‬جام‭ ‬اعتقادهم‭ ‬المرفوض‭ ‬من‭ ‬أمة‭ ‬استقرت‭ ‬مفاهيمها‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬إلهية‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬التأويل،‭ ‬وفوق‭ ‬منصات‭ ‬مذهبية‭ ‬اختارت‭ ‬التوافق‭ ‬شرطًا،‭ ‬والتلاحم‭ ‬دستورًا،‭ ‬وضرب‭ ‬الفرقة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الواحد‭ ‬نظامًا‭ ‬أبديًا‭ ‬مستنيرًا‭.‬

“السفارة”‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وليست‭ ‬“السفارة‭ ‬في‭ ‬العمارة”‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أحدثت‭ ‬هذا‭ ‬الضجيج‭ ‬الهائل،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬انتظر‭ ‬المستمعين‭ ‬لها‭ ‬طحينًا‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا،‭ ‬وتوقع‭ ‬المريدين‭ ‬منها‭ ‬دليلًا‭ ‬ماديًا‭ ‬واحدًا‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬“الإمام”‭ (‬عجل‭)‬،‭ ‬لكنهم‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬الدليل‭.‬

الثوابت‭ ‬وأصحابها‭ ‬من‭ ‬فرق‭ ‬وجماعات‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الإيمان‭ ‬بالموروث‭ ‬الديني‭ ‬الصحيح‭ ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ (‬الإقصاء‭ ‬للأقصى‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬الخارجين‭ ‬عليهم‭ ‬والمكابرين‭ ‬منهم‭ ‬مازالوا‭ ‬يتنافسون‭ ‬على‭ ‬دفن‭ ‬السم‭ ‬في‭ ‬العسل،‭ ‬وقضم‭ ‬حبة‭ ‬السكر‭ ‬حتى‭ ‬آخرها،‭ ‬وتذويب‭ ‬فكرة‭ ‬الانسجام‭ ‬قبل‭ ‬الاتفاق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحين‭ ‬موعد‭ ‬“الأمر‭ ‬بغير‭ ‬المعروف”،‭ ‬هو‭ ‬بالتحديد‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬بأن‭ ‬القادم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أسوأ‭ ‬لو‭ ‬تركنا‭ ‬الفكر‭ ‬التكفيري‭ ‬منفتحًا،‭ ‬والصوت‭ ‬التضليلي‭ ‬منقولًا،‭ ‬والانقطاع‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬جماعة‭ ‬“التكفير‭ ‬والهجرة”‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المهرجانات‭ ‬الشعبية‭ ‬إلى‭ ‬“تفكير‭ ‬في‭ ‬الهجرة”،‭ ‬ليست‭ ‬مزحة‭ ‬ولا‭ ‬تقريب‭ ‬مخل‭ ‬لمبدأ‭ ‬مختل،‭ ‬ولا‭ ‬عمود‭ ‬إضاءة‭ ‬لا‭ ‬ينير‭ ‬الطريق‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬ترغب‭ ‬القطط‭ ‬والجرذان‭ ‬وبقايا‭ ‬العابرين‭. ‬مواجهة‭ ‬من؟‭ ‬وكيف؟‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكبرى‭ ‬وأدوات‭ ‬الضبط‭ ‬والربط،‭ ‬والضغط‭ ‬خصوصية‭ ‬التحدي‭ ‬وتفاصيل‭ ‬الأحلام‭ ‬المضحكة،‭ ‬كلها‭ ‬علامات‭ ‬تعجب‭ ‬تطرحها‭ ‬الفكرة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭. ‬وللمقال‭ ‬بقية‭.‬