انتهاكات “السفارة” - ٣

| عادل عيسى المرزوق

في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬تلعب‭ ‬الشعوب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬درء‭ ‬المخاطر،‭ ‬في‭ ‬النأي‭ ‬بأوطانها‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬الحضارية‭ ‬والاحتدامات‭ ‬المذهبية،‭ ‬والمهاترات‭ ‬الفكرية،‭ ‬تحاول‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬ترتقي‭ ‬بالخطاب‭ ‬الديني،‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬الحضور‭ ‬للخطاب‭ ‬المجتمعي،‭ ‬أن‭ ‬تغلب‭ ‬التفكير‭ ‬على‭ ‬التلقين،‭ ‬والحوار‭ ‬على‭ ‬الصدام‭.‬

في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬نعيش‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬أزهى‭ ‬عصوره،‭ ‬والتعدد‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬انتشاره،‭ ‬والتسامح‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬صوره‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬تخرج‭ ‬علينا‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬نعرات‭ ‬دخيلة،‭ ‬عدوى‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ -‬انسحاب‭ ‬مع‭ ‬نقائص‭ ‬لنخب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أظن،‭ ‬اختصار‭ ‬مُخل‭ ‬لمضامين‭ ‬فقهية‭ ‬غائبة،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يروج‭ ‬له‭ ‬البعض،‭ ‬ويزيح‭ ‬عنه‭ ‬الستار‭.‬

ونحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أن‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الذي‭ ‬تربى‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بالآخر‭ ‬قد‭ ‬وضع‭ ‬حدًا‭ ‬لهذا‭ ‬القبول،‭ ‬زمنًا‭ ‬ومسافة‭ ‬بُعد،‭ ‬ثابت‭ ‬من‭ ‬الثوابت‭ ‬الرصينة‭ ‬للوطن‭ ‬والعقيدة،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬باب‭ ‬الاجتهاد‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬مفتوحًا‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لكائن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬يتخطى‭ ‬حدود‭ ‬الله،‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬الحد‭ ‬على‭ ‬أبدية‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬محاكمات‭ ‬سرية‭ ‬لأمور‭ ‬متفق‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬فصائل‭ ‬الأمة‭ ‬وملتف‭ ‬حولها‭ ‬اللفيف‭ ‬الأعظم‭ ‬منها،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬التكليف‭ ‬المشوه‭ ‬لإفصاح‭ ‬جماعة‭ ‬“السفارة”‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬غير‭ ‬مرئية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬بيان‭ ‬يفتقر‭ ‬لأسس‭ ‬الشريعة‭ ‬والشرعية،‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬خطاب‭ ‬خفي‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيوت‭ ‬والأنفاق،هذا‭ ‬كله‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬التداخل‭ ‬المتجاوز‭ ‬لحدود،‭ ‬المتخطى‭ ‬لمواقع‭ ‬سماوية،‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ (‬عجل‭) ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬قطعاً‭ ‬بأحكام‭ ‬المذاهب‭ ‬جميعها،‭ ‬اتفاق‭ ‬قياداتها‭ ‬الشرعية‭ ‬المؤهلة،‭ ‬فلا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يفتقر‭ ‬الإعلان‭ ‬لأدنى‭ ‬مقتضيات‭ ‬التراتبية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ظهور‭ ‬لولي‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتفشى‭ ‬مظهر‭ ‬غير‭ ‬ملائم‭ ‬للمجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬انكشاف‭ ‬عن‭ ‬غطاء‭ ‬إلا‭ ‬عندما‭ ‬تتراكم‭ ‬المغالطات‭ ‬لدى‭ ‬الجهة‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬الفتوى‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية،‭ ‬ولا‭ ‬أساس‭ ‬لرؤية‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تفتقر‭ ‬لأبسط‭ ‬المشاهدات‭ ‬أو‭ ‬الأدلة‭ ‬الثبوتية‭.‬

من‭ ‬السهل‭ ‬جداً‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬4‭ ‬أو‭ ‬5‭ ‬أشخاص‭ ‬ويدعون‭ ‬أنهم‭ ‬اكتشفوا‭ ‬علاجاً‭ ‬حاسماً‭ ‬لمختلف‭ ‬أنواع‭ ‬السرطانات‭ ‬في‭ ‬البشر،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬الشفاء‭ ‬تحقق،‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬العلاج‭ ‬الناجع‭ ‬متوفرًا‭ ‬بالشكل‭ ‬والهيئة‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬عليه‭ ‬الأمم‭ ‬عند‭ ‬مكافحة‭ ‬مرض‭ ‬من‭ ‬الأمراض؟

من‭ ‬السهل‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يدعي‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬أنهم‭ ‬توصلوا‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬مضادة‭ ‬للجاذبية‭ ‬الأرضية،‭ ‬مفسرين‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬تفاحة‭ ‬اسحاق‭ ‬نيوتن‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الأشجار‭ ‬لتوارى‭ ‬الثرى‭ ‬أي‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬وجهتها‭ ‬وأصبح‭ ‬السقوط‭ ‬إلى‭ ‬أعلى،‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أيضا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مشاهدات‭ ‬ثبوتية‭ ‬جماعية،‭ ‬تجمع‭ ‬عليها‭ ‬الأمة‭ ‬ويتفق‭ ‬حولها‭ ‬المفسرين‭ ‬والمتابعين‭ ‬والمدججين‭ ‬بالعلوم‭ ‬والمباحث‭ ‬المعتبرة‭.‬

من‭ ‬السهل‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬أي‭ ‬فاسق‭ ‬بنبأ،‭ ‬واذا‭ ‬لم‭ ‬تتبينوا‭ ‬فإنكم‭ ‬قد‭ ‬تصيبوا‭ ‬قوماً‭ ‬بجهالة‭ ‬فتصبحوا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬نادمين‭.‬

و‭... ‬للحديث‭ ‬بقية‭.‬