القطاع الخاص محركا للتنمية الاقتصادية

| د.علي المولاني

حققت‭ ‬البحرين‭ ‬قفزة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقدمها‭ ‬بــ‭ ‬19‭ ‬مرتبة‭ ‬لمرة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬سهولة‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال؛‭ ‬لتحل‭ ‬ضمن‭ ‬الدول‭ ‬العشر‭ ‬الأكثر‭ ‬تحسنا‭ ‬في‭ ‬المؤشر‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬190‭ ‬دولة،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الحكمة‭ ‬وبعد‭ ‬النظر‭ ‬اللذين‭ ‬تتحلى‭ ‬بهما‭ ‬قيادة‭ ‬المملكة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تكاتف‭ ‬جهود‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬التي‭ ‬عززت‭ ‬مكانة‭ ‬بيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬ينظر‭ ‬مؤشر‭ ‬سهولة‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬سهولة‭ ‬إقامة‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬خصوصا‭ ‬مراحل‭ ‬إطلاق‭ ‬المشروع‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬وتأمين‭ ‬المقر‭ ‬للمشروع‭ ‬واستدامة‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬لها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬المؤشرات‭ ‬المعنية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بوضع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬وتحقيق‭ ‬البحرين‭ ‬لهذا‭ ‬التقدم‭ ‬الملحوظ‭ ‬يعد‭ ‬شهادة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬أرفع‭ ‬المستويات‭ ‬لنجاعة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬المملكة‭ ‬لخلق‭ ‬بيئة‭ ‬مواتية‭ ‬للأعمال‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬كمحرك‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭.‬

ولو‭ ‬أمعنا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬لأدركنا‭ ‬بأننا‭ ‬لا‭ ‬نقف‭ ‬إزاء‭ ‬أجندة‭ ‬طارئة،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬الدور‭ ‬التاريخي‭ ‬التنموي‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لو‭ ‬أخذنا‭ ‬البحرين‭ ‬قبل‭ ‬قرنين،‭ ‬فسنجد‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬المحرك‭ ‬الأساسي‭ ‬للاقتصاد‭ ‬ككل،‭ ‬فكانت‭ ‬قطاعات‭ ‬مهنية‭ ‬وحرفية‭ ‬كالزراعة‭ ‬والتجارة‭ ‬وصيد‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك‭ ‬هي‭ ‬المهيمنة‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المهن‭ ‬والحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬إسهاماتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وقتها‭. ‬

وحين‭ ‬نمت‭ ‬مشاركة‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬واتساع‭ ‬نطاق‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المقدمة‭ ‬للمواطنين‭ ‬كالخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬والتعليم‭ ‬والإسكان‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬تطور‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لمواكبة‭ ‬هذه‭ ‬الطفرة‭ ‬التنموية‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬البحرين‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬دوره‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مؤسسات‭ ‬حديثة‭ ‬ومتطورة‭ ‬تدعم‭ ‬تطلعات‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وخلق‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬متقدمة‭.‬

ولا‭ ‬يختلف‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬وتنمية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬فيقدر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬نحو‭ ‬84‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬90‭ % ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭. ‬ولو‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكار‭ ‬حقيقة‭ ‬بديهية‭ ‬تجزم‭ ‬بأن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬المتتالية‭ ‬سواء‭ ‬بإطلاق‭ ‬الأفكار‭ ‬الجديدة‭ ‬أو‭ ‬المبادرات‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬تحفيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وخلق‭ ‬الوظائف‭ ‬إنما‭ ‬مرجعيتها‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬الدينامية‭ ‬الحيوية‭ ‬المبدعة‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭.‬

وبالعودة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مؤشر‭ ‬سهولة‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال،‭ ‬فإننا‭ ‬نرى‭ ‬بأنه‭ ‬سيكون‭ ‬مرجعا‭ ‬تسويقيا‭ ‬مهما‭ ‬إلى‭ ‬المستثمرين‭ ‬وسيدات‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬ورواد‭ ‬الأعمال‭ ‬وغيرهم‭ ‬الذين‭ ‬سيدركون‭ ‬واقع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وريادة‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬بيئة‭ ‬الأعمال‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬لافت‭ ‬في‭ ‬شمولية‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بأمور‭ ‬تمس‭ ‬مصالح‭ ‬ومصائر‭ ‬قطاعات‭ ‬الأعمال‭ ‬بصورة‭ ‬جوهرية‭ ‬ومباشرة‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬سهولة‭ ‬استخراج‭ ‬تراخيص‭ ‬العمل،‭ ‬ومرونة‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬خلق‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وسهولة‭ ‬التصدير‭ ‬والاستيراد‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬المؤشر‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬البحرين‭ ‬تقدما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتبسيط‭ ‬نقل‭ ‬الملكية‭ ‬من‭ ‬31‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬لتسجيل‭ ‬مستودع‭ ‬إلى‭ ‬يومين‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬

كما‭ ‬سلط‭ ‬التقرير‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التسهيلات‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬تصاريح‭ ‬البناء،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تقليل‭ ‬فترة‭ ‬التراخيص‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬174‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬71‭ ‬في‭ ‬2019،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬الحلول‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وتسهيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تيسير‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬تحفيز‭ ‬الأعمال،‭ ‬والسهولة‭ ‬في‭ ‬دخول‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسهيل‭ ‬إجراءات‭ ‬المشروعات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأعمال‭ ‬وتعزيز‭ ‬طموحات‭ ‬رواد‭ ‬الأعمال‭ ‬والتقليل‭ ‬من‭ ‬مخاوفهم‭ ‬عبر‭ ‬مبادرات‭ ‬قانون‭ ‬الإفلاس‭ ‬الذي‭ ‬سيحمي‭ ‬المستثمرين‭ ‬والدائنين‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬يتيح‭ ‬مؤشر‭ ‬سهولة‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬اغتنامها‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬البحرين‭ ‬عالميا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يترك‭ ‬أمامنا‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬لمواصلة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬مباشرة‭ ‬بمواصلة‭ ‬استقطاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬النوعية‭ ‬لخلق‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭. ‬وأرى‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬مسعانا‭ ‬المستقبلي‭ ‬للترويج‭ ‬لإمكانات‭ ‬المملكة‭ ‬أن‭ ‬نركز‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬البحرين،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يشملها‭ ‬المؤشر،‭ ‬ومنها‭ ‬نمط‭ ‬الحياة‭ ‬الكوزموبوليتاني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وما‭ ‬يتسم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬انفتاح‭ ‬وتطور،‭ ‬إذ‭ ‬لطالما‭ ‬شكلت‭ ‬البحرين‭ ‬أروع‭ ‬الخبرات‭ ‬والتجارب‭ ‬المعيشية‭ ‬للمقيمين‭ ‬والسواح‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬لنا‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إطارا‭ ‬واضحا‭ ‬يقيم‭ ‬ما‭ ‬لدينا‭ ‬من‭ ‬إمكانات،‭ ‬فأرى‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لنا‭ ‬جميعا‭ ‬كمواطنين‭ ‬أن‭ ‬نشمر‭ ‬سواعدنا‭ ‬لمواصلة‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانات‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر،‭ ‬وكلنا‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬والزخم‭ ‬التنموي‭ ‬الحاصل‭.‬