انتهاكات “السفارة”

| عادل عيسى المرزوق

كل‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تأتي‭ ‬إلينا‭ ‬جماعات‭ ‬مارقة‭ ‬بـ‭ ‬“تقليعات”‭ ‬ترتدي‭ ‬عباءة‭ ‬الدين،‭ ‬تتشدق‭ ‬بأقوال،‭ ‬وتتيمن‭ ‬بأنماط،‭ ‬وتفرض‭ ‬أكاذيبها‭ ‬وادعاءاتها‭ ‬بإرهاب‭ ‬من‭ ‬“الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس”‭ ‬وهلم‭ ‬جرّا‭.‬

مؤخرًا‭ ‬خرجت‭ ‬جماعة‭ ‬مارقة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬جمعية‭ ‬غريبة‭ ‬الأطوار‭ ‬لتمارس‭ ‬كذبة‭ ‬صارخة،‭ ‬وادعاءً‭ ‬فادحًا‭ ‬فاضحًا‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجماعة‭ ‬“المختارين”‭ ‬يلتقون‭ ‬يوميًا‭ ‬في‭ ‬أحلامهم‭ ‬مع‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ (‬عجل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬فرجه‭ ‬الشريف‭) ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬ظهر‭ ‬لهم‭ ‬بالفعل،‭ ‬وأن‭ ‬نهاية‭ ‬الزمان‭ ‬قد‭ ‬حل‭ ‬موعدها،‭ ‬وأن‭ ‬العلامات‭ ‬الكبرى‭ ‬للآخرة‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬حبل‭ ‬الوريد‭.‬

هكذا‭ ‬يدعى‭ ‬نفر‭ ‬مضلل،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتنبأون‭ ‬بما‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬حق‭ ‬فيه‭ ‬ولا‭ ‬تكليف،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتندرون‭ ‬برؤاهم‭ ‬ويسوقون‭ ‬لخرافاتهم،‭ ‬ويتنبأون‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬قدرتهم‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬علمهم‭.‬

“السفارة”،‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭ ‬أو‭ ‬فريق‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬فريق‭ ‬لا‭ ‬يهم،‭ ‬المهم‭ ‬أنهم‭ ‬ثلة‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬العقيدة،‭ ‬وفكرة‭ ‬مجنونة‭ ‬نابتة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬مخصبة‭ ‬بالفقر‭ ‬والجهل‭ ‬والمرض،‭ ‬هكذا‭ ‬يرى‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬والمجتمع،‭ ‬لكن‭ ‬الخرافة‭ ‬عندما‭ ‬تتفشى‭ ‬في‭ ‬قوم،‭ ‬والزندقة‭ ‬حين‭ ‬تفرد‭ ‬قلوعها‭ ‬على‭ ‬سفن‭ ‬صالحة‭ ‬للإبحار‭ ‬عكس‭ ‬التيار،‭ ‬فإن‭ ‬التشويش‭ ‬أو‭ ‬التشويه‭ ‬للعقولِ‭ ‬النضرة،‭ ‬وللنفوس‭ ‬البريئة‭ ‬يصبح‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬أجيال‭ ‬تحتاج‭ ‬للتنوير‭ ‬وليس‭ ‬للتعليم،‭ ‬للتعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬وليس‭ ‬للادعاء‭ ‬والكذب‭ ‬والخداع‭.‬

إن‭ ‬أجيالنا‭ ‬التي‭ ‬تتعاقب،‭ ‬وشبابنا‭ ‬الذي‭ ‬يقرأ‭ ‬ويرى‭ ‬ويقتحم‭ ‬ثورة‭ ‬المعلومات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحيوية‭ ‬والعلوم‭ ‬الاستباقية‭ ‬يحتاج‭ ‬دائمًا‭ ‬لمن‭ ‬يصوب‭ ‬مساره،‭ ‬لمن‭ ‬يأخذ‭ ‬بيده‭ ‬ويشجعه‭ ‬نحو‭ ‬الطريق‭ ‬القويم،‭ ‬إنما‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬جماعة‭ ‬مفتونة‭ ‬بالجنون‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بالادعاء‭ ‬الفاضح‭ ‬والمجون،‭ ‬وأن‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬قانونًا‭ ‬خارج‭ ‬القانون،‭ ‬ودولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة،‭ ‬ومؤسسة‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬لمستوى‭ ‬المؤسسة‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬خاصة‭ ‬النخب‭ ‬المتفكرة‭ ‬فيه‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬الأتقياء‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬يتصدوا‭ ‬لادعاءات‭ ‬هذه‭ ‬“السفارة”‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تعيش‭ ‬غيبوبة‭ ‬الظلام‭ ‬والجاهلية،‭ ‬الانكفاء‭ ‬على‭ ‬العتمة‭ ‬وضيق‭ ‬الأفق‭ ‬والانهزامية‭.‬

التوعية‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬فضح‭ ‬هؤلاء‭ ‬وتفنيد‭ ‬ادعاءاتهم،‭ ‬وفرز‭ ‬أفكارهم،‭ ‬ومناهضة‭ ‬دعواهم‭.‬

ألف‭ ‬باء‭ ‬كشف‭ ‬عوراتهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نعلن‭ ‬للمجتمع‭ ‬بأسره‭ ‬بأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يروجون‭ ‬لفكرة‭ ‬أشبعها‭ ‬العلماء‭ ‬بحثًا‭ ‬والفقهاء‭ ‬تعرضًا‭ ‬ودحضًا‭ ‬والأولين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجلد‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬مبحث،‭ ‬جميعهم‭ ‬اتفقوا‭ ‬أن‭ ‬علامات‭ ‬ظهور‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ (‬عجل‭) ‬لها‭ ‬دلالات،‭ ‬وإشارات،‭ ‬ومقدمات‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الأحلام،‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬مُعاش‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الأباطيل‭ ‬والأكاذيب‭ ‬والتهويمات،‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬يمكن‭ ‬القياس‭ ‬عليها‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬خرافات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستدلال‭ ‬بها‭.‬

“السفارة”‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يطلقون‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المجتمع‭ ‬الواعي،‭ ‬قافلة‭ ‬ضالة،‭ ‬عصابة‭ ‬تسطو‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس،‭ ‬خوارج‭ ‬جدد‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معنى،‭ ‬وما‭ ‬يحمله‭ ‬التكوين‭ ‬الشيطاني‭ ‬من‭ ‬مضامين‭ ‬فادحة‭.‬

هل‭ ‬تصدقون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬تعمل‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تروج‭ ‬لفكرة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عليها‭ ‬فانٍ‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬أصول‭ ‬المعجزات‭ ‬الربانية،‭ ‬وحقائق‭ ‬الوجود‭ ‬الكونية،‭ ‬وأنهم‭ ‬يرتكبون‭ ‬الحماقات‭ ‬ما‭ ‬يفيض‭ ‬عن‭ ‬مقال‭ ‬واحد،‭ ‬وللحديث‭ ‬بقية‭.‬