سوالف

“جمرة سحرية” مدفون بخورها في أعماقنا

| أسامة الماجد

مازلت‭ ‬مغرما‭ ‬بكتابات‭ ‬“ألبير‭ ‬كامو”،‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬منطقية‭ ‬متجانسة‭ ‬كل‭ ‬التجانس‭ ‬بحكم‭ ‬طفولتي‭ ‬وشبابي‭ ‬الذي‭ ‬قضيته‭ ‬مغمورا‭ ‬بكتب‭ ‬“الوجودية”‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬مكتبة‭ ‬الوالد‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬معروفا‭ ‬بتعلقه‭ ‬بالفلسفة‭ ‬الوجودية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬لسارتر‭ ‬وسيمون‭ ‬دي‭ ‬بوفوار‭ ‬وكولن‭ ‬ويلسون‭ ‬والبير‭ ‬كامو‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬إنهم‭ ‬عرفوا‭ ‬“الوجودية”‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬محمد‭ ‬الماجد‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الستينات‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬الخصائص‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬“كامو”‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬خصائص‭ ‬العالم،‭ ‬مجرد‭ ‬مأساة،‭ ‬مهزلة،‭ ‬عدم‭ ‬شعور‭ ‬بالتوازن‭ ‬والاعتدال‭ ‬ومن‭ ‬السهل‭ ‬اكتشاف‭ ‬البريق‭ ‬الخاطف‭ ‬الذي‭ ‬يكشف‭ ‬ناب‭ ‬العدو‭ ‬الكامن‭ ‬فينا،‭ ‬الحياة‭ ‬بطولها‭ ‬وعرضها‭ ‬موت‭ ‬وخيانة‭ ‬وجفاء،‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يطيش‭ ‬أحد‭ ‬الكواكب‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬عن‭ ‬مداره‭ ‬حتى‭ ‬تتحطم‭ ‬الأرض‭. ‬قرأت‭ ‬لألبير‭ ‬كامو‭ ‬كثيرا‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأوقات‭ ‬شعرت‭ ‬بالعدائية‭ ‬تجاه‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬وبنفس‭ ‬الحدة‭ ‬شعرت‭ ‬بالعطف‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يزحف‭ ‬رويدا‭ ‬رويدا‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نحو‭ ‬نهايته‭ ‬وفنائه،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬إرشاد‭ ‬مجاني‭ ‬للموت‭ ‬وكل‭ ‬بطولات‭ ‬الإنسان‭ ‬تذهب‭ ‬سدى‭.‬

يقول‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الرائع‭ ‬“أسطورة‭ ‬سيزيف”‭ ‬“ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬تعني‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الكون؟‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬لكنها‭ ‬تعني‭ ‬اللا‭ ‬اكتراث‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمستقبل،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬استنفاد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعطى،‭ ‬إن‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بمعنى‭ ‬الحياة‭ ‬يعني‭ ‬دائما‭ ‬ميزانا‭ ‬من‭ ‬القيم،‭ ‬واختيارا،‭ ‬وهو‭ ‬يعني‭ ‬تفضيلنا،‭ ‬والاعتقاد‭ ‬باللاجدوى،‭ ‬طبقا‭ ‬لتعريفاتنا،‭ ‬يعلم‭ ‬العكس،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬نبحثه”‭.‬

أحيانا‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬مضطرا‭ ‬إلى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الكون‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬الوجود،‭ ‬لسبب‭ ‬مفهوم‭ ‬أو‭ ‬سبب‭ ‬غامض،‭ ‬وأتصور‭ ‬أن‭ ‬الوجودية‭ ‬التي‭ ‬يرفضها‭ ‬البعض‭ ‬ويعتبرها‭ ‬حالة‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬الأدب،‭ ‬هي‭ ‬“جمرة‭ ‬سحرية”‭ ‬مدفون‭ ‬بخورها‭ ‬في‭ ‬أعماقنا،‭ ‬والشاطر‭ ‬من‭ ‬يشم‭ ‬البخور‭.‬