وَخْـزَةُ حُب

أبالسة النقد!

| د. زهرة حرم

هناك‭ ‬بشر‭ ‬همّهم‭ ‬الأول،‭ ‬وشغلهم‭ ‬الشاغل؛‭ ‬تقصي‭ ‬عثراتك،‭ ‬ومواطن‭ ‬ضعفك‭ ‬أو‭ ‬عيوبك‭! ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬فيك‭ ‬جانبًا‭ ‬مشرقًا،‭ ‬كمَن‭ ‬تغشّاهم‭ ‬العمى‭! ‬فلا‭ ‬يبصرون‭! ‬أو‭ ‬كمن‭ ‬عطبت‭ ‬ألسنتهم‭ ‬وجمدت؛‭ ‬فما‭ ‬عادوا‭ ‬يقوون‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬محاسنك‭ ‬أو‭ ‬نقاط‭ ‬قوتك‭! ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬ذمك‭ ‬وهجائك‭ ‬مغردون،‭ ‬مُلعلعون؛‭ ‬كمن‭ ‬اكتشف‭ ‬نقيصة‭ ‬أو‭ ‬جريمة،‭ ‬وتصدى‭ ‬لكشفها،‭ ‬وفضحها؛‭ ‬إحقاقًا‭ ‬للحقيقة‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬أنظارهم‭ ‬السقيمة‭ ‬–‭ ‬ولفتا‭ ‬للآخرين؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يصيبهم‭ ‬غَبَش‭ ‬مَن‭ ‬ينتقدون‭!‬

فإذا‭ ‬سألتهم‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬أيًا‭ ‬كان؛‭ ‬تراهم‭ ‬يجترُّون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سلبيّ،‭ ‬ومع‭ ‬بهاراتهم‭ ‬التعبيرية‭ ‬الحارة‭ ‬واللاذعة؛‭ ‬يجعلونك‭ ‬تكره‭ ‬المضي‭ ‬قُدُما‭ ‬فيما‭ ‬أنت‭ ‬مُقبل‭ ‬عليه؛‭ ‬فقد‭ ‬قضوا‭ ‬على‭ ‬طاقتك‭ ‬الإيجابية‭ ‬المنطلقة‭ ‬المشرّعة،‭ ‬وكسّروا‭ ‬مجاديفها،‭ ‬وتركوك‭ ‬نادمًا؛‭ ‬من‭ ‬سؤالهم‭ ‬عنها‭ ‬أولا،‭ ‬ومُحبطًا،‭ ‬لا‭ ‬نية‭ ‬لك‭ ‬سوى‭ ‬التوقف؛‭ ‬لتستنقذ‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬سموم‭ ‬انتقاداتهم‭ ‬المستقبلية‭ ‬ثانيًا‭! ‬

وَهَبْ‭ ‬أو‭ ‬افترض‭ ‬أنهم‭ ‬اُعجبوا‭ ‬بشيء‭ ‬فيك‭ ‬أو‭ ‬منك؛‭ ‬تراهم‭ ‬يتجاوزونه‭ ‬إلى‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬لديك؛‭ ‬يتلذذون‭ ‬بالتقليل‭ ‬من‭ ‬شأنه،‭ ‬ويستمتعون‭ ‬ببثه‭ ‬على‭ ‬مسامع‭ ‬الآخرين‭! ‬يشعرون‭ ‬ببطولة‭ ‬المحققين‭ ‬الذين‭ ‬تمكنوا‭ ‬دون‭ ‬سواهم‭ ‬من‭ ‬كشفه‭ ‬وتحليله‭! ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬صادف‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يتجاوزوه؛‭ ‬عندها‭ ‬كنْ‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنهم‭ ‬سيقلبون‭ ‬حقيقته،‭ ‬ويشوّهون‭ ‬ملامحه؛‭ ‬لأن‭ ‬حقدا‭ ‬دفينًا‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬صدروهم‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬أو‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬نفث‭ ‬ذرةٍ‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬جميل،‭ ‬يرسم‭ ‬ملامح‭ ‬ابتسامة‭ ‬أو‭ ‬رضا‭ ‬على‭ ‬مُحياك،‭ ‬فأهدافهم‭ ‬إيذاؤك،‭ ‬والحط‭ ‬منك،‭ ‬والتسقيط‭! ‬لا‭ ‬لأنهم‭ ‬أعداؤك،‭ ‬بل‭ ‬لأنهم‭ ‬–‭ ‬باختصار‭ ‬–‭ ‬أعداء‭ ‬أنفسهم‭! ‬يعيشون‭ ‬غليانًا‭ ‬حاميًا؛‭ ‬كلما‭ ‬تقدمتْ‭ ‬عليهم،‭ ‬أو‭ ‬شعروا‭ ‬بأنك‭ ‬محط‭ ‬نظر‭ ‬أو‭ ‬إعجاب‭!‬

هؤلاء‭ ‬تجدهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬بعضهم‭ ‬يدّعي‭ ‬صداقتك؛‭ ‬لكنه‭ ‬يرميك‭ ‬بوابل‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬السام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬وكلام‭! ‬وبعضهم‭ ‬الآخر؛‭ ‬تلتقيه‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬العامة؛‭ ‬ما‭ ‬إنْ‭ ‬تتحدث؛‭ ‬حتى‭ ‬يتصدى‭ ‬لك؛‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ينتظر‭ ‬الإشارة؛‭ ‬ليباغتك‭ ‬بسهامه‭! ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬–‭ ‬حدّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭ ‬–‭ ‬فأبطال‭ ‬الكيبورد‭ ‬الذين‭ ‬يتخفون‭ ‬وراء‭ ‬الأقنعة‭ ‬والأسماء‭ ‬المستعارة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬–‭ ‬جاهزون‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬وكمَنْ‭ ‬أمِن‭ ‬العقوبة؛‭ ‬تراه‭ ‬يُعلق‭ ‬بأقذع‭ ‬القول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تنشره؛‭ ‬إنْ‭ ‬مصورًا‭ ‬وإنْ‭ ‬مكتوبًا‭!‬

ماذا‭ ‬نقول‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الشاعر‭: ‬كنْ‭ ‬جميلا‭ ‬ترَ‭ ‬الوجود‭ ‬جميلا؛‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬جميل‭ ‬الداخل؛‭ ‬كيف‭ ‬سترى‭ ‬جمال‭ ‬الآخرين‭!‬؟‭ ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬داخلك‭ ‬العتمة؛‭ ‬كيف‭ ‬ستبصر‭ ‬ضوءهم؟‭! ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬نجاح‭ ‬الآخرين‭ ‬يُربك‭ ‬روحك‭ ‬ويُثقلها؛‭ ‬كيف‭ ‬ستبارك‭ ‬إنجازاتهم؟‭! ‬إنْ‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬انتصار‭ ‬لهم‭ ‬إخفاقًا‭ ‬لديك؛‭ ‬فهذا‭ ‬–‭ ‬لعَمْري‭ ‬–‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفات‭ ‬مع‭ ‬النفس؛‭ ‬ففاقد‭ ‬الشيء‭ ‬لا‭ ‬يعطيه،‭ ‬ولن‭!.‬