كفوا أذاكم فقط

| سالم الشوبكي

“على‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬دولة‭ ‬أم‭ ‬ثورة”،‭ ‬قالها‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬السعودي‭ ‬للشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬عادل‭ ‬الجبير‭ ‬منتقدا‭ ‬مخططاتها‭ ‬الخبيثة‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذها‭ ‬عبر‭ ‬أذرعها‭ ‬الممتدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عدة‭. ‬ما‭ ‬ردده‭ ‬الجبير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬تقوله‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭: ‬على‭ ‬إيران‭ ‬تقويم‭ ‬سلوكها‭ ‬العدائي‭ ‬المنحرف‭ ‬عن‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬الطبيعية‭ ‬المنسجمة‭ ‬مع‭ ‬مبادئ‭ ‬حسن‭ ‬الجوار،‭ ‬والملتزمة‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬لديها‭ ‬رغبة‭ ‬حقيقية‭ ‬بأن‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬والعقوبات‭ ‬الضاغطة‭ ‬على‭ ‬اقتصادها‭ ‬المتداعي‭.‬

إذا‭ ‬المعادلة‭ ‬بسيطة،‭ ‬والمطلوب‭ ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تكف‭ ‬طهران‭ ‬أذاها‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وشعوبها،‭ ‬ذلك‭ ‬الأذى‭ ‬متعدد‭ ‬الصور،‭ ‬إما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬وزرع‭ ‬بذور‭ ‬الفتنة،‭ ‬بهدف‭ ‬تصديع‭ ‬بنيان‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتشظيتها‭ ‬لتنفذ‭ ‬إليها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬فاشلة‭ ‬خدمة‭ ‬لمشروعها‭ ‬التوسعي،‭ ‬أو‭ ‬بإنشاء‭ ‬الميليشيات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وتدريب‭ ‬عناصرها‭ ‬وإمدادها‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬والعتاد‭ ‬النوعي‭ ‬من‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬وطائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬لتهديد‭ ‬أمن‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬ومصادر‭ ‬الطاقة‭. ‬والمفارقة‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬يئن‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الفاقة‭ ‬والعوز،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يبدد‭ ‬النظام‭ ‬ثروات‭ ‬البلاد‭ ‬وأموالها‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الإرهاب‭ ‬وزعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬زعم‭ ‬إيران‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التحاور‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وضعه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬المراوغة‭ ‬السياسية‭ ‬المكشوفة‭ ‬ومحاولة‭ ‬كسب‭ ‬الوقت،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أخذه‭ ‬على‭ ‬محمل‭ ‬الجد‭ ‬وهي‭ ‬تمارس‭ ‬ذات‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬انتفض‭ ‬ضده‭ ‬العراقيون‭ ‬وصدحوا‭ ‬بأصواتهم‭ ‬“إيران‭ ‬برا‭ ‬برا‭ ‬بغداد‭ ‬حرة‭ ‬حرة”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضاقوا‭ ‬ذرعا‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬بلادهم‭ ‬واستغلالها‭ ‬أسوأ‭ ‬استغلال‭.‬

وفي‭ ‬اليمن‭ ‬يقف‭ ‬الشرفاء‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬جيشهم‭ ‬الوطني،‭ ‬بإسناد‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬تحالف‭ ‬دعم‭ ‬الشرعية،‭ ‬لمواجهة‭ ‬ميليشيا‭ ‬الحوثي‭ ‬التي‭ ‬اختطفت‭ ‬الدولة‭ ‬لصالح‭ ‬مشروع‭ ‬إيران،‭ ‬أما‭ ‬لبنان‭ ‬الذي‭ ‬ابتلي‭ ‬بميليشيا‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنفك‭ ‬تتباها‭ ‬جهارا‭ ‬نهارا‭ ‬بتبعيتها‭ ‬لنظام‭ ‬طهران،‭ ‬فعلت‭ ‬الأصوات‭ ‬الرافضة‭ ‬لتلك‭ ‬التبعية‭ ‬مطالبة‭ ‬بتقديم‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سواها‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬التصرف‭ ‬كدولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭.‬

ثم‭ ‬كيف‭ ‬لطهران‭ ‬أن‭ ‬تدعي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬وهي‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بانتهاك‭ ‬التزاماتها‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬المبرم‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬بزيادة‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم‭ ‬وإعادة‭ ‬تشغيل‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أقر‭ ‬بصعوبة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬انسحبت‭ ‬منه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬طهران‭ ‬ونظامها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬انتهاكا‭ ‬لقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭.‬

الدبلوماسية‭ ‬العربية‭ ‬مطالبة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بعدم‭ ‬تفويت‭ ‬الفرصة،‭ ‬بتكثيف‭ ‬الجهود‭ ‬والعمل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬والصديقة،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬إرغام‭ ‬طهران‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬لمطالب‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬ولا‭ ‬تتحقق‭ ‬تلك‭ ‬المطالب‭ ‬إلا‭ ‬بصياغة‭ ‬اتفاق‭ ‬شامل‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬كل‭ ‬بواعث‭ ‬القلق‭ ‬وجوانب‭ ‬تهديد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم‭. ‬اتفاق‭ ‬يكون‭ ‬ضامنا‭ ‬لأربعة‭ ‬أمور‭ ‬رئيسة‭ ‬وهي‭: ‬أولا‭ ‬عدم‭ ‬حصول‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬مع‭ ‬برنامج‭ ‬مراقبة‭ ‬صارم،‭ ‬ثانيا‭: ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لبرنامج‭ ‬إيران‭ ‬للصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬ثالثا‭: ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬وتمويل‭ ‬الإرهاب،‭ ‬رابعا‭: ‬الكف‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬الداخلية‭.‬