سوالف

المثقف العربي “غائب”.. كالعطر المخبأ في عروق البنفسج

| أسامة الماجد

يبدو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يعيش‭ ‬واقعا‭ ‬أدبيا‭ ‬مجدبا‭ ‬وعقيما،‭ ‬ومازال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أسرار‭ ‬الأشعة‭ ‬وقلوبهم‭ ‬تعتل‭ ‬ومحاطة‭ ‬بالآلام،‭ ‬فقبل‭ ‬أيام‭ ‬قرأت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المواقع‭ ‬الأدبية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والمثقفين‭ ‬منهمكين‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬مسألة‭ ‬ثقافية‭ ‬مهمة‭ ‬طرحتها‭ ‬تطورات‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬ثقافة‭ ‬قومية‭ ‬ثورية‭ ‬وأدب‭ ‬قومي‭ ‬ثوري،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الآراء‭ ‬والثقافات‭ ‬المضادة‭ ‬للإنسان‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬مؤسسات‭ ‬تناصب‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬عداء‭ ‬تاريخيا‭ ‬ويتفق‭ ‬الداعون‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬شعار‭ ‬الثقافة‭ ‬القومية‭ ‬الثورية،‭ ‬يعني‭ ‬وضع‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الواقعي‭ ‬والحضاري‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المتقدم‭ ‬المستل‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬وما‭ ‬تقدمه‭ ‬الحياة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬أكثر‭ ‬رحابة‭ ‬وإنسانية‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ثقافي‭.‬

دعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬قومية‭ ‬تتضمن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الجديد‭ ‬المتقدم‭ ‬إزاء‭ ‬المحاولات‭ ‬الرثة‭ ‬وغير‭ ‬الأصيلة،‭ ‬وتباشر‭ ‬عملية‭ ‬نقد‭ ‬للواقع‭ ‬الثقافي،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬الثقافة‭ ‬حياة‭ ‬لكل‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬امتيازا‭ ‬ولقبا‭ ‬فقط،‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬للعلاقة‭ ‬الناقصة‭ ‬القائمة‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والجمهور‭.‬

“ثقافة‭ ‬قومية‭ ‬ثورية”،‭ ‬أضحكتني‭ ‬العبارة‭ ‬ومنحتني‭ ‬وجها‭ ‬قديما‭ ‬يعيش‭ ‬مصيره‭ ‬في‭ ‬منفى‭ ‬الكلمات،‭ ‬فعن‭ ‬أية‭ ‬قومية‭ ‬تتحدثون‭ ‬والأديب‭ ‬العربي‭ ‬أسير‭ ‬لعبة‭ ‬رهيبة‭ ‬واحدة‭ ‬وهي‭ ‬المرور‭ ‬مر‭ ‬الصم‭ ‬على‭ ‬صرخات‭ ‬الألم‭ ‬وحشرجات‭ ‬رهيبة‭ ‬من‭ ‬حلق‭ ‬ملهوف‭ ‬متعثر‭ ‬الأنفاس،‭ ‬الصرخات‭ ‬هي‭ ‬صرخات‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬مزقته‭ ‬التعاسة‭ ‬وصيحات‭ ‬الألم‭ ‬وأدمت‭ ‬الأشواك‭ ‬يديه‭ ‬وشققت‭ ‬نتوءات‭ ‬الصخور‭ ‬قدميه‭ ‬حتى‭ ‬البكاء،‭ ‬وطوال‭ ‬تلك‭ ‬السنين‭ ‬كان‭ ‬الأديب‭ ‬والمثقف‭ ‬العربي‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬كالعطر‭ ‬المخبأ‭ ‬في‭ ‬عروق‭ ‬البنفسج‭. ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬مر‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬وكاد‭ ‬يسقط‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬ويغرق‭ ‬بينما‭ ‬أنتم‭ ‬يا‭ ‬أصحاب‭ ‬الثقافة‭ ‬القومية‭ ‬الثورية‭ ‬كنتم‭ ‬تلعبون‭ ‬على‭ ‬أوتار‭ ‬الفكاهة‭ ‬والثرثرة‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬التافهة،‭ ‬ومفصولون‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬بعواطف‭ ‬مهووسة‭. ‬

في‭ ‬تصوري‭ ‬الشخصي‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬لهجة‭ ‬خشنة‭ ‬فيها‭ ‬خيبة‭ ‬وفيها‭ ‬نزعة‭ ‬للانتقام،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬وقفة‭ ‬جادة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬الشعور‭ ‬المرهف‭ ‬والحس‭ ‬الدقيق‭ ‬الذي‭ ‬يفرح‭ ‬النفس‭ ‬ويسر‭ ‬الروح‭.‬