قهوة الصباح

التفكير خارج الصندوق

| سيد ضياء الموسوي

كي‭ ‬تصنع‭ ‬التغيير‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬نهضة‭ ‬تنويرية‭ ‬على‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬المتكلسة،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬دون‭ ‬حفريات‭ ‬نقد‭ ‬وجرأة،‭ ‬وقرار‭ ‬وفتح‭ ‬النوافذ‭ ‬لدخول‭ ‬أوكسجين‭ ‬التنوير‭. ‬هذا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬والفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وهنا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬نقدي‭ ‬لا‭ ‬تبريري‭.‬

فاليوم‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬نقد‭ ‬لاكتشاف‭ ‬تراكمات‭ ‬الأخطاء‭ ‬لبني‭ ‬على‭ ‬الجميل،‭ ‬ونبني‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬متفادين‭ ‬الأخطاء‭. ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أمور‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والاجتماع‭. ‬كان‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬يرقص‭ ‬طربًا‭ ‬على‭ ‬أفكار‭ ‬ماوتسي‭ ‬تونغ‭ ‬في‭ ‬التنظير‭ ‬الثقافي‭ ‬وكذلك‭ ‬فيما‭ ‬سماه‭ ‬بالثورة‭ ‬الثقافية،‭ ‬والإصلاح،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬تأصيل‭ ‬لشيوعية‭ ‬متخشبة‭ ‬متكلسة‭ ‬استاتيكية‭ ‬قادت‭ ‬آلاف‭ ‬الصينيين‭ ‬للجوع‭ ‬والفقر‭.‬

الحكم‭ ‬البوليسي‭ ‬كان‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬الآلهة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬صحيح‭. ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬شخصية‭ ‬ناقدة‭ ‬تفكر‭ ‬خارج‭ ‬الصندوق‭ ‬الشيوعي،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الحزب‭ ‬راحت‭ ‬تنتقد‭ ‬الحزب‭ ‬بشده‭ ‬لأجل‭ ‬الصين،‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬تآمري‭ ‬ولكنها‭ ‬تعشق‭ ‬التغيير‭. ‬راح‭ ‬الزعيم‭ ‬يردد‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستمر‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬ماو‭ ‬ويظل‭ ‬الناس‭ ‬جوعى‭ ‬وفقراء‭. ‬كانت‭ ‬فكرته‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الاستعانة‭ ‬بخطة‭ ‬اقتصادية‭ ‬لدعم‭ ‬خطة‭ ‬لشخص‭ ‬بارع‭ ‬ومبدع‭ ‬يتم‭ ‬اختياره‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الجامعات‭ ‬فوقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬جامعة‭ ‬اكسفورد‭. ‬رفض‭ ‬طلبه‭ ‬7‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬حت‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭. ‬

هذا‭ ‬الزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬صاحب‭ ‬التغيير‭ ‬العظيم‭ ‬هو‭ ‬“دينغ‭ ‬شياو‭ ‬بينغ”‭ ‬مهندس‭ ‬الإصلاح‭ ‬الصيني‭. ‬قام‭ ‬بمراسلة‭ ‬الجامعة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬فتمت‭ ‬الموافقة‭ ‬والترشيح‭ ‬على‭ ‬بروفيسور‭. ‬أرسلت‭ ‬له‭ ‬الجامعة‭ ‬هذا‭ ‬البروفيسور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬متخلف‭ ‬إلى‭ ‬ثاني‭ ‬أقوى‭ ‬اقتصاد‭ ‬عالمي،‭ ‬هل‭ ‬تعلمون‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البروفيسور؟‭ ‬إنه‭ ‬عراقي‭ ‬يدعى‭ ‬إلياس‭ ‬كوركيس‭. ‬

الثورة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬تبدأ‭ ‬بقرار‭ ‬ثم‭ ‬تبدأ‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬والتخطيط‭ ‬وإيجاد‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬إبداعي‭ ‬متكامل‭ ‬مع‭ ‬سياسة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬وإلغاء‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تستنزف‭ ‬الدولة‭ (‬الفيلة‭ ‬البيضاء‭) ‬وجذب‭ ‬الاستثمار‭ ‬عبر‭ ‬بيئة‭ ‬حاضنه‭ ‬والتنوع‭ ‬في‭ ‬المشاريع،‭ ‬مع‭ ‬دعم‭ ‬التعليم‭ ‬الابتكاري‭ ‬واقتناص‭ ‬الشباب‭ ‬وإدخال‭ ‬الدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬باستمرار‭. ‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬سنغافورة‭ ‬عبر‭ ‬الزعيم‭ ‬العظيم‭ ‬لي‭ ‬كوان‭ ‬يو‭ ‬والصين‭ ‬بزعامة‭ ‬دينغ‭ ‬شياو‭ ‬بينغ‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬عبر‭ ‬زعيمها‭ ‬بارك‭ ‬تشونج‭ ‬هي‭. ‬العمليات‭ ‬الجراحية‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مركزية‭ ‬وجرأة‭ ‬وإقدام‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬صعبة‭ ‬أو‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عصا‭ ‬سحرية،‭ ‬وهناك‭ ‬تجارب‭ ‬لبلدان‭ ‬بدأوا‭ ‬من‭ ‬الصفر‭ ‬حتى‭ ‬الرمل‭ ‬والماء‭ ‬يشترونه‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬لكنهم‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬الدول‭. ‬حتى‭ ‬أوروبا‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬ثقافيًا‭ ‬إلا‭ ‬بزعماء‭ ‬نقد‭ ‬مثل‭ ‬فولتير‭ ‬ومارتن‭ ‬لوثر‭ ‬ونيتشه‭ ‬وفي‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬كان‭ ‬لنظرية‭ ‬البروسترويكا‭ ‬لكورباتشوف‭ ‬دور،‭ ‬ومهاتير‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭.‬

لا‭ ‬أؤمن‭ ‬أننا‭ ‬سندخل‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الصيني‭ ‬كما‭ ‬يشاع‭ ‬مادامت‭ ‬الصين‭ ‬متطورة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬متخلفة‭ ‬سياسيا‭ ‬بسياسة‭ ‬النظام‭ ‬الواحد‭ ‬الأحادي‭. ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬‭(‬ع‭) ‬يركز‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الحكم‭ ‬بوصاياه‭ ‬إلى‭ ‬مالك‭ ‬الأشتر‭ ‬لقيادة‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬العدل‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬قبل‭ ‬الأغنياء،‭ ‬وسيادة‭ ‬القانون‭ ‬واحترام‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬خصوصًا‭ ‬الأقليات‭ ‬ومحاربة‭ ‬الفساد‭. ‬الإمام‭ ‬ركز‭ ‬على‭ ‬الانفتاح‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭. ‬

الذي‭ ‬ضيع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬هي‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬السلاح،‭ ‬والتوسع‭ ‬الأيديولوجي‭. ‬والذي‭ ‬سيقود‭ ‬أميركا‭ ‬للتراجع‭ ‬هو‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الجشعة‭ ‬ونرجسية‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬واقتصاد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الديون‭ ‬رغم‭ ‬تنوعه‭ ‬وعظمته‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يزيد‭ ‬فوارق‭ ‬طبقية‭. ‬

لعل‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬الدول‭ ‬هي‭ ‬دول‭ ‬الشمال‭ ‬الأوروبي‭ ‬من‭ ‬النرويج‭ ‬والسويد‭ ‬والدانمارك،‭ ‬فهناك‭ ‬انفتاح‭ ‬سياسي‭ ‬ديمقراطي‭ ‬واقتصاد‭ ‬قائم‭ ‬بين‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوزيع‭ ‬وتدخل‭ ‬الدولة‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭. ‬

لا‭ ‬أخفي‭ ‬إعجابي‭ ‬بشخصية‭ ‬مثل‭ ‬لي‭ ‬كوان‭ ‬يو،‭ ‬أو‭ ‬بارك‭ ‬تشونج،‭ ‬أو‭ ‬دينغ‭ ‬شياو‭ ‬بينغ؛‭ ‬فهولاء‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬صفات‭ ‬خارقة‭ ‬أو‭ ‬قادمون‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬آخر،‭ ‬لكنهم‭ ‬عرفوا‭ ‬كيف‭ ‬يبدأون‭ ‬بطريقة‭ ‬صحيحة،‭ ‬فكانت‭ ‬سنغافورة‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭. ‬انظروا‭ ‬كيف‭ ‬للبرازيلي‭ ‬لولا‭ ‬سلفا‭ ‬عظيم‭ ‬البرازيل‭ ‬أبو‭ ‬الفقراء‭ ‬وصانع‭ ‬نهضة‭ ‬البرازيل‭ ‬كيف‭ ‬بخطة‭ ‬اقتصادية‭ ‬غير‭ ‬بلاده‭ ‬رغم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬شنت‭ ‬عليه‭ ‬ظلما‭. ‬

لاحقًا‭ ‬سأتحدث‭ ‬لكم‭ ‬عن‭ ‬الزعيم‭ ‬الهندي‭ ‬الكبير‭ (‬مان‭ ‬موهان‭ ‬سنج‭) ‬وما‭ ‬فعله‭ ‬من‭ ‬معجزة‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬الهند‭. ‬دعونا‭ ‬نضع‭ ‬يدنا‭ ‬بيد‭ ‬بعض‭ ‬لنبني‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬باقتصاد‭ ‬عظيم‭. ‬بإمكان‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬والعربي‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مثالًا‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬خصوصًا‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬أزمات‭ ‬كبرى‭ ‬كلبنان‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران،‭ ‬بل‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬إن‭ ‬أرادت‭. ‬