ستة على ستة

الوثائق المسربة والأهداف غير المعلنة

| عطا السيد الشعراوي

من‭ ‬حقنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬ولو‭ ‬قليلا‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬التزامن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬أميركية‭ ‬وفي‭ ‬صدارتها‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬بشأن‭ ‬هيمنة‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬واختراقها‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬حراك‭ ‬شعبي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬احتجاجات‭ ‬ومظاهرات‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فهل‭ ‬هذه‭ ‬التسريبات‭ ‬جاءت‭ ‬لتضفي‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ودعم‭ ‬شعوبها‭ ‬في‭ ‬الحراك،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬لتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إثارة‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬كونها‭ ‬جاذبة‭ ‬ومستقطبة‭ ‬للتحليلات‭ ‬والنقاشات‭ ‬البحثية‭ ‬والإعلامية‭ ‬والسياسية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إبعاد‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬الأحداث‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬ولو‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬تمكن‭ ‬سلطاتها‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬القبضة‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرقابة‭ ‬الإعلامية‭ ‬وقوة‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي‭.‬

فالوثائق‭ ‬وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أرشيف‭ ‬وزارة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الإيرانية‭ ‬السرية‭ ‬تم‭ ‬تسريبها‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬صفحة‭ ‬وتمت‭ ‬كتابتها‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و2015‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬بجديد،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬واقعا‭ ‬مرئيا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬يؤكد‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وهو‭ ‬النفوذ‭ ‬الذي‭ ‬يتزايد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬ودفع‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬إلى‭ ‬الانتفاضة‭ ‬والتمرد‭ ‬عليه‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬منه‭ ‬والتمتع‭ ‬بخيرات‭ ‬البلد‭ ‬التي‭ ‬نهبت‭ ‬والعمل‭ ‬بحرية‭ ‬واستقلالية‭ ‬بمؤسسات‭ ‬دولتهم‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اختراقها‭ ‬وتحويلها‭ ‬لأجهزة‭ ‬تابعة‭ ‬لإيران،‭ ‬وكي‭ ‬يتاح‭ ‬لهم‭ ‬اختيار‭ ‬مسؤولين‭ ‬عنهم‭ ‬يعملون‭ ‬لمصالحهم‭ ‬ولا‭ ‬يكونون‭ ‬مجرد‭ ‬متلقين‭ ‬للأوامر‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وجاء‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬دون‭ ‬انتظار‭ ‬أو‭ ‬حاجة‭ ‬لتسريبات‭ ‬أو‭ ‬تأكيدات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬نفسه‭.‬

كما‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬كدليل‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بسياسات‭ ‬وخطوات‭ ‬مدروسة‭ ‬بعناية‭ ‬منذ‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬2003،‭ ‬وتفوقت‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬واستطاعت‭ ‬بسط‭ ‬نفوذها‭ ‬داخل‭ ‬العراق‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تمثل‭ ‬صدمة‭ ‬للسلطات‭ ‬والمسؤولين‭ ‬العراقيين‭ ‬تدفعهم‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سياساتهم‭ ‬ومواقفهم،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬والحذر‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬غير‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬مضمونها‭ ‬وإهمال‭ ‬القضية‭ ‬الرئيسية‭ ‬وهي‭ ‬الوقوف‭ ‬بجانب‭ ‬الشعوب‭ ‬العراقية‭ ‬واللبنانية‭ ‬والإيرانية‭.‬