مواقف إدارية

نادي المتذمرين وممتهني الأعذار

| أحمد البحر

‭ ‬يحكى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سالف‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬قام‭ ‬أحد‭ ‬المتبرعين‭ ‬الأثرياء‭ ‬بتأسيس‭ ‬نادٍ‭ ‬خاص‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬نادي‭ ‬المتذمرين‭ ‬وممتهني‭ ‬الأعذار‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬العنوان‭ ‬فإن‭ ‬النادي‭ ‬كان‭ ‬خاصًا‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬في‭ ‬عضويته‭ ‬إلا‭ ‬أولئك‭ ‬المدمنين‭ ‬للتذمر‭ ‬والأعذار‭. ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬هذا‭ ‬النادي‭ ‬هو‭ ‬احتواء‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬الصغيرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المنتجين؛‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬المبدعين‭ ‬والجادين‭ ‬في‭ ‬أعمالهم‭ ‬والذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬الحس‭ ‬بالمسؤولية‭.‬

‭ ‬كان‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬بدء‭ ‬قبول‭ ‬طلبات‭ ‬العضوية‭ ‬وشروطها‭ ‬جاذبًا،‭ ‬حيث‭ ‬أخذ‭ ‬طابع‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتطلب‭ ‬إجابة‭ ‬مطولة‭ ‬تماشيًا‭ ‬مع‭ ‬القدرات‭ ‬الذهنية‭ ‬للشريحة‭ ‬المستهدفة‭. ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭: ‬هل‭ ‬تهوى‭ ‬التذمر؟‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬بارع‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الأعذار‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬العمل؟‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يجيدون‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الإنتاجية‭ ‬فقط‭ ‬ويكتفون‭ ‬بذلك؟‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬الساعة‭ ‬كديكور‭ ‬ويجهلون‭ ‬قيمة‭ ‬الوقت‭ ‬أو‭ ‬يتجاهلون‭ ‬ذلك‭! ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يصّرون‭ ‬أن‭ ‬قدراتهم‭ ‬لم‭ ‬تكتشف‭ ‬بعد؟

‭ ‬أصبح‭ ‬للنادي‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭. ‬كانت‭ ‬أنشطة‭ ‬النادي‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬موضوعها‭ ‬الأوحد‭ ‬التذمر‭ ‬وكيفية‭ ‬خلق‭ ‬الأعذار‭ ‬ومحاولة‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭. ‬كان‭ ‬أسلوب‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭ ‬غريبًا‭ ‬ويعكس‭ ‬تمامًا‭ ‬“ثقافة”‭ ‬الحضور،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬من‭ ‬يستمع‭ ‬بل‭ ‬الجميع‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭. ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الاجتماع‭ ‬يهنئ‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬التذمر‭ ‬مبَرر‭ ‬وصحيح‭ ‬وأن‭ ‬اللائحة‭ ‬الاسترشادية‭ ‬للأعذار‭ ‬واضحة‭ ‬وشاملة‭ ‬وصالحة‭ ‬للاستخدام‭.‬

‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬تفاجأ‭ ‬أعضاء‭ ‬النادي‭ ‬وهم‭ ‬يدخلون‭ ‬قاعة‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بلوحة‭ ‬جدارية‭ ‬كبيرة‭ ‬أمامهم‭. ‬الجميع‭ ‬وقف‭ ‬مشدوها‭ ‬وصامتًا‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬عيناه،‭ ‬فالعبارة‭ ‬المرسومة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬اللوحة‭ ‬وبخط‭ ‬واضح‭ ‬وبأحرف‭ ‬كبيرة‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الفوضى‭ ‬والبلبلة‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭. ‬كانت‭ ‬العبارة‭ ‬المكتوبة‭ ‬تقول‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬فاشلون‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬أعمالنا‭ ‬ونتخذ‭ ‬من‭ ‬التذمر‭ ‬والأعذار‭ ‬ستارًا؟‭ ‬هل‭ ‬نعترف‭ ‬بهذه‭ ‬الحقيقة؟‭ ‬أُلغي‭ ‬الاجتماع‭ ‬وأُعلنت‭ ‬حالة‭ ‬التذمر‭ ‬القصوى‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ (‬المتمرد‭)! ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النادي؟‭ ‬أليست‭ ‬فكرته‭ ‬صالحة‭ ‬لكل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؟‭!‬