صرت وزير.. خير اللهم خير!

| سعيد محمد

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬حلمًا‭ ‬مزعجًا‭ ‬للغاية‭.. ‬خير‭ ‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬خير‭.. ‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬الليلة،‭ ‬وعندما‭ ‬كنت‭ - ‬كالعادة‭ - ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬عامر‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بحضور‭ ‬وزير‭ ‬سابق،‭ ‬دار‭ ‬الحديث‭ ‬طويلًا‭ ‬وفق‭ ‬“مقارنات‭ ‬يوم‭ ‬أنت‭ ‬وزير‭ ‬وألحين”،‭ ‬ودارت‭ ‬مناقشات‭ ‬بشأن‭ ‬أمانة‭ ‬وصدق‭ ‬وأداء‭ ‬الوزير‭ ‬كمسؤولية‭ ‬وطنية،‭ ‬وأن‭ ‬اللازم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المسؤول‭ ‬كالوزير‭ ‬ووزارته‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الوطن‭ ‬والمواطن‭ ‬بشكل‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬الناس‭.. ‬و‭... ‬و‭.. ‬و‭.. ‬المهم،‭ ‬أنني‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬المجلس‭ ‬وعدت‭ ‬للبيت‭ ‬وذهبت‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق‭.‬

وكم‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬رأيته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬جميلًا‭.. ‬مرعبًا‭.. ‬طويلًا‭.. ‬خانقًا‭.. ‬مدهشًا‭.. ‬كريهًا‭.. ‬حلوًا‭.. ‬مريرًا‭.. ‬فقد‭ ‬رأيت‭ ‬فيما‭ ‬يرى‭ ‬النائم،‭ ‬خير‭ ‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬خير،‭ ‬أنني‭ ‬“صرت‭ ‬وزير”‭.. ‬وسنحت‭ ‬لي‭ ‬الفرصة‭ ‬لأن‭ ‬أزور‭ ‬مجلس‭ ‬ذلك‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬اعتدت‭ ‬زيارته،‭ ‬فرأيت‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬رأيت،‭ ‬حيث‭ ‬هب‭ ‬الربع‭ ‬ومن‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬جميعًا‭ ‬لاستقبالي‭ ‬بالأحضان،‭ ‬والكل‭ ‬يقول‭ ‬“درب‭.. ‬درب‭.. ‬درب‭.. ‬معالي‭ ‬الوزير‭ ‬وصل”‭... ‬قال‭ ‬آخر‭: ‬“حيا‭ ‬الله‭ ‬طويل‭ ‬العمر‭.. ‬حيا‭ ‬الله‭ ‬سعادة‭ ‬الوزير”‭.. ‬قال‭ ‬ثالث‭: ‬“حيا‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬يه‭.. ‬شرفتنا‭ ‬ونورتنا‭ ‬طال‭ ‬عمرك”‭.. ‬حتى‭ ‬جلست،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬لحظات‭ ‬حتى‭ ‬“تدفقت”‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬سيول‭ ‬من‭ ‬“النفاق”‭: ‬“بارك‭ ‬الله‭ ‬جهودك‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الوطن‭ ‬معالي‭ ‬الوزير‭.. ‬قال‭ ‬آخر‭.. ‬بيض‭ ‬الله‭ ‬وجهك‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬أنك‭ ‬الرجل‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭.. ‬و‭.. ‬و‭.. ‬المهم،‭ ‬غادرت‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬والناس‭ ‬والمباخر‭ ‬ودخون‭ ‬عودها‭ ‬يرافقني‭ ‬حتى‭ ‬السيارة‭.. ‬هذا‭ ‬“يطبل‭ ‬لي‭ ‬خوش‭ ‬تطبيل”‭.. ‬وناس‭ ‬تسلمني‭ ‬ظروف‭ ‬رسائل‭.. ‬وناس‭ ‬تطلب‭ ‬مني‭ ‬حضور‭ ‬مأدبة‭ ‬وناس‭ ‬تحب‭ ‬“خشمي”‭.. ‬غادرت‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬السعادة‭.‬

خرجت‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المنزل‭ ‬وبقي‭ ‬“شبحي”‭ ‬فيه‭.. ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يرى‭ ‬“شبحي‭ ‬العزيز”‭.. ‬وإذا‭ ‬بمن‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬“يصلخوني‭ ‬صلاخ”‭.. ‬هذا‭ ‬يقول‭ ‬“عمري‭ ‬ما‭ ‬شفت‭ ‬وزير‭ ‬فاشل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭.. ‬آخر‭ ‬يقول‭: ‬“في‭ ‬ذمتك‭ ‬هذا‭ ‬شكل‭ ‬واحد‭ ‬وزير”‭.. ‬قال‭ ‬ثالث‭: ‬“أصلًا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هو‭ ‬طبل‭ ‬علباله‭ ‬يعني‭ ‬يوم‭ ‬صار‭ ‬وزير‭ ‬بيصير‭ ‬ذكي‭.. ‬قال‭ ‬رابع‭: ‬“يعني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬هالكفاءات‭ ‬والناس‭ ‬الفاهمة‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬إلا‭ ‬ذي‭ ‬وزير”‭.. ‬وقال‭ ‬خامس‭ ‬وسادس‭ ‬وسابع‭: ‬“راز‭ ‬روحه‭ ‬في‭ ‬هالمكتب‭ ‬الفخم‭ ‬وهالسيارات‭ ‬الفارهة‭ ‬وفلوس‭ ‬ومشاريع‭ ‬ويشتغل‭ ‬حق‭ ‬أهله‭ ‬وربعه‭ ‬وعياله،‭ ‬وخلق‭ ‬الله‭ ‬دايخين”‭.. ‬والأشد‭ ‬الذي‭ ‬آلم‭ ‬“شبحي”‭ ‬وآلمني‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬قال‭: ‬“كان‭ ‬رفيجي‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭.. ‬تنبل‭ ‬من‭ ‬الزين‭.. ‬بس‭ ‬حظه‭ ‬يكسر‭ ‬الصخر‭ ‬يا‭ ‬مال‭ ‬الويل”‭.. ‬المهم،‭ ‬أن‭ ‬شبحي‭ ‬غادر‭ ‬ليصيبني‭ ‬الهم‭ ‬الشديد‭ ‬والنكد‭ ‬الثقيل‭ ‬والحزن‭ ‬القاتل‭.. ‬استيقظت‭ ‬من‭ ‬النوم‭ ‬لأكرر‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭: ‬“وزير‭ ‬غصبًا‭ ‬عنكم‭ ‬مالت‭ ‬عليكم”‭.‬