سوالف

القراء لا يهبطون من السماء

| أسامة الماجد

رغم‭ ‬قلة‭ ‬الجوائز‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬طبيعية‭ ‬تسود‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المليء‭ ‬بالغموض‭ ‬وكأنه‭ ‬انتقال‭ ‬بين‭ ‬الوجود‭ ‬والعدم،‭ ‬فبعض‭ ‬الأدباء‭ ‬يقاطعون‭ ‬الجوائز‭ ‬ويودون‭ ‬تحطيمها‭ ‬بالمطارق‭ ‬وتقطيع‭ ‬أوصالها‭ ‬بالمناجل،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يركض‭ ‬إليها‭ ‬بشكل‭ ‬مفضوح‭ ‬وكأن‭ ‬بينهما‭ ‬قصة‭ ‬حب،‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬الجوائز‭ ‬مثل‭ ‬أسراب‭ ‬العصافير‭ ‬والحمام،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يراها‭ ‬منطقا‭ ‬غير‭ ‬إنساني‭ ‬وأسلاكا‭ ‬شائكة‭ ‬يحرسها‭ ‬مجنون‭ ‬يقتله‭ ‬الضجر،‭ ‬وقد‭ ‬استمعت‭ ‬شخصيا‭ ‬إلى‭ ‬آراء‭ ‬الطرفين،‭ ‬إلى‭ ‬الرعب‭ ‬والوهم‭ ‬المتسلط‭ ‬وتأكدت‭ ‬وهذا‭ ‬تقدير‭ ‬شخصي‭ ‬أن‭ ‬مطالب‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬تضغط‭ ‬بعنف‭ ‬وقسوة‭ ‬على‭ ‬الأديب‭ ‬وتجعله‭ ‬يعيش‭ ‬التناقض‭ ‬والتمزق‭.‬

بوسعنا‭ ‬فهم‭ ‬أسباب‭ ‬تشوق‭ ‬الأديب‭ ‬إلى‭ ‬نيل‭ ‬جائزة،‭ ‬فهو‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكسب‭ ‬فجأة‭ ‬جمهورا‭ ‬قارئا،‭ ‬ويود‭ ‬أن‭ ‬يكف‭ ‬الأدب‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬نشاطا‭ ‬شرفيا‭ ‬قد‭ ‬يغري‭ ‬ويثير‭ ‬الغرور،‭ ‬لكنه‭ ‬يظل‭ ‬شبه‭ ‬مجاني،‭ ‬هو‭ ‬ينسى‭ ‬أن‭ ‬جمهورا‭ ‬قارئا‭ ‬يكسبه‭ ‬عاما،‭ ‬سيخسره‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬التالي،‭ ‬فكم‭ ‬عدد‭ ‬المرشحين‭ ‬لإحدى‭ ‬الجوائز‭ ‬الذين‭ ‬رأوا‭ ‬كمية‭ ‬المطبوع‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬كتبهم‭ ‬ترتفع‭ ‬إلى‭ ‬الرقم‭ ‬الفلاني،‭ ‬ثم‭ ‬تهبط‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬رقم‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬نسخ‭ ‬الكتاب‭ ‬التالي‭. ‬إن‭ ‬نتاجا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفرض‭ ‬بصورة‭ ‬مصطنعة‭ ‬على‭ ‬جمهور‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬جمهوره،‭ ‬أما‭ ‬كتاب‭ ‬ما،‭ ‬فهذا‭ ‬ممكن،‭ ‬فالقراء‭ ‬لا‭ ‬يهبطون‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬إنما‭ ‬يستحقهم‭ ‬المؤلف‭ ‬استحقاقا،‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬الجهد‭ ‬والبذل‭.‬

تستطيع‭ ‬الجائزة‭ ‬أن‭ ‬تمارس‭ ‬تأثيرا‭ ‬قويا‭ ‬حين‭ ‬تتوج‭ ‬الأديب،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬هناك‭ ‬جوائز‭ ‬تقتل‭ ‬ولها‭ ‬عدة‭ ‬طرق‭ ‬لتقتل‭ ‬كاتبا‭ ‬وتحطمه،‭ ‬فهي‭ ‬أولا‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأدب‭ ‬لا‭ ‬يبدع‭ ‬فيه‭ ‬دائما،‭ ‬وهي‭ ‬تحثه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفرغ‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سريع،‭ ‬ثم‭ ‬إنها‭ ‬تغذي‭ ‬لديه‭ ‬مطامع‭ ‬وأوهاما‭ ‬ليست‭ ‬لها‭ ‬أية‭ ‬مبررات‭ ‬وجيهة‭ ‬وهكذا‭ ‬هو‭ ‬عالم‭ ‬الجوائز‭ ‬الأدبية‭ ‬والتهاب‭ ‬آفاقها‭!.‬