رؤيا مغايرة

التقاعد... الوهم المنشود

| فاتن حمزة

جميعنا‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬التقاعد‭ ‬نقلة‭ ‬حياتية‭ ‬للمتقاعد،‭ ‬فرغم‭ ‬عمله‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬فجأة‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬متوقفاً‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬بديلاً‭ ‬فيجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬وشعور‭ ‬بالحزن‭ ‬والكآبة‭ ‬والنقص‭ ‬كونه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬يتوقف‭ ‬فيها‭ ‬العطاء‭ ‬والإنجاز،‭ ‬فيشعر‭ ‬المتقاعد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬له‭ ‬وحياته‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭ ‬وطعم‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬من‭ ‬إنجازاته‭ ‬سوى‭ ‬الذكريات‭ ‬وبعض‭ ‬الأوراق‭ ‬ودروع‭ ‬التكريم،‭ ‬إن‭ ‬وجدت،‭ ‬ليبدأ‭ ‬الوجع‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تتبعه‭ ‬أمراض‭ ‬نفسية‭ ‬وعضوية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬تقاعده‭ ‬راحة،‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سلم‭ ‬اهتمامات‭ ‬الدولة‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يضطر‭ ‬للتقاعد‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬الضيم‭ ‬وغياب‭ ‬الإنصاف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬عمله،‭ ‬ويأمل‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬تقاعده‭ ‬مهربا،‭ ‬ليفاجأ‭ ‬أنه‭ ‬كمن‭ ‬استجار‭ ‬من‭ ‬الرمضاء‭ ‬بالنار‭! ‬ويرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬الدولة‭ ‬للمتقاعد‭ ‬تخفيض‭ ‬بعض‭ ‬الرسوم‭ ‬إلى‭ ‬النصف،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬المواطن‭ ‬إلا‭ ‬كل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وربما‭ ‬أكثر،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تطبق‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الستين‭ ‬سنة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬نفسها‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬المبكر،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحظات‭ ‬الأخرى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬مساواة‭ ‬المتقاعد‭ ‬بغيره‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الزيادة‭ ‬السنوية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الغياب‭ ‬التام‭ ‬لأية‭ ‬دراسة‭ ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬المتقاعدين‭ ‬وأحوالهم‭! ‬ولا‭ ‬يغيب‭ ‬عنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كفاءات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬المتقاعدين‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬لو‭ ‬بصفة‭ ‬الاستشارة‭.‬

يجب‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬المتقاعدين،‭ ‬فتحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬يشجع‭ ‬الغير‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬وهذا‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬جزئي‭ ‬لمسألة‭ ‬البطالة‭ ‬التي‭ ‬نعاني‭ ‬منها،‭ ‬لا‭ ‬توصدوا‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬المتقاعد‭ ‬فيكون‭ ‬حبيس‭ ‬بيته‭ ‬فيصدق‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬نتداوله‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التهكم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬المتقاعد‭ ‬يعني‭ ‬“مت‭ ‬وأنت‭ ‬قاعد”‭. ‬

وأخيراً‭ ‬نصائحي‭ ‬لكل‭ ‬متقاعد‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬معنى‭ ‬آخر‭ ‬لحياته‭ ‬بعد‭ ‬التقاعد‭ ‬باستمرارية‭ ‬البحث‭ ‬وأخذ‭ ‬المعرفة‭ ‬والانشغال‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬مفيد،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬انتهاء‭ ‬خدمات‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬نفاد‭ ‬طاقته‭ ‬وتوقف‭ ‬إبداعاته‭ ‬ومهاراته،‭ ‬الحياة‭ ‬بعد‭ ‬التقاعد‭ ‬بداية‭ ‬لحياة‭ ‬أخرى‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬يجعلها‭ ‬جميلة‭ ‬وقيمة‭ ‬بفتح‭ ‬أبواب‭ ‬جديدة‭ ‬نستكمل‭ ‬بها‭ ‬حياة‭ ‬التميز‭ ‬والنجاح‭.‬