ومضة قلم

ما هكذا تكرّم المعلمات يا وزارة التربية

| محمد المحفوظ

تؤكد‭ ‬البحوث‭ ‬التربوية‭ ‬أنه‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬المعلمون‭ ‬رسالتهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يتعرضون‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬وتهميش،‭ ‬فالرسالة‭ ‬التي‭ ‬ينهضون‭ ‬بها‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مهمة‭ ‬الأنبياء‭ ‬والرسل،‭ ‬بيد‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬يكابدونه‭ ‬من‭ ‬غبن‭ ‬يمثل‭ ‬عائقا‭ ‬أمام‭ ‬أداء‭ ‬مهمتهم‭ ‬النبيلة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬النفسي‭ ‬لدى‭ ‬المعلمين‭ ‬يعد‭ ‬عنصرا‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬نحو‭ ‬الدافعية‭ ‬للإنجاز‭ ‬في‭ ‬العمل‭. ‬إنّ‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمن‭ ‬النفسي‭ ‬وافتقاد‭ ‬البيئة‭ ‬التربوية‭ ‬المشجعة‭ ‬يعني‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬التعليم‭ ‬بالفشل‭.‬

وأمامنا‭ ‬حالة‭ ‬إنسانية‭ ‬لإحدى‭ ‬المعلمات،‭ ‬حيث‭ ‬كابدت‭ ‬صنوفا‭ ‬من‭ ‬العذاب‭ ‬النفسي‭ ‬والجسدي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أشهر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬أية‭ ‬استجابة‭ ‬رغم‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭ ‬الحرجة،‭ ‬ورغم‭ ‬أنها‭ ‬قدمت‭ ‬إلى‭ ‬الوزارة‭ ‬تقارير‭ ‬طبية‭ ‬عن‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭ ‬لنقلها‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬بها‭ ‬مصعد‭ ‬كهربائي‭ ‬لاستدعاء‭ ‬حالتها‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الأطباء‭ ‬المعالجين،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بقيت‭ ‬شهرا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الرد‭! ‬وعند‭ ‬مراجعتها‭ ‬مكتب‭ ‬وكيل‭ ‬الوزارة‭ ‬المساعد‭ ‬للتعليم‭ ‬العام‭ ‬والفني‭ ‬تم‭ ‬تجاهل‭ ‬طلبها،‭ ‬وإزاء‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمام‭ ‬المعلمة‭ ‬أي‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬مخاطبة‭ ‬مكتب‭ ‬وزير‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬لكن‭ ‬آمالها‭ ‬تحطمت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تجاوب‭ ‬ينهي‭ ‬مأساتها‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتصور‭ ‬كيف‭ ‬تبقى‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬تماطل‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬ينهي‭ ‬عذابات‭ ‬المعلمة‭ ‬ويخرجها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬المريرة،‭ ‬وكانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخطر‭ ‬في‭ ‬بال‭ ‬أحد‭ ‬أنّ‭ ‬الوزارة‭ ‬ليس‭ ‬باستطاعتها‭ ‬نقل‭ ‬المعلمة‭!‬

المعلمة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬مدينة‭ ‬حمد‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬طلبت‭ ‬نقلها‭ ‬بشكل‭ ‬مستعجل‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬بها‭ ‬مصعد‭ ‬كهربائي‭ ‬بعد‭ ‬تدهور‭ ‬حالتها‭ ‬الصحية‭ ‬وتماشيا‭ ‬مع‭ ‬توجيهات‭ ‬الأطباء‭ ‬المعالجين‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬مطولة‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الجوهرة‭ ‬بمدينة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬الطبية،‭ ‬وقد‭ ‬قدمت‭ ‬طلب‭ ‬النقل‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬استقبال‭ ‬المراجعين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬مشفوعا‭ ‬بثلاثة‭ ‬تقارير‭ ‬طبية‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬جهات،‭ ‬لكنها‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬إبداء‭ ‬أي‭ ‬تجاوب‭ ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬ومماطلة‭ ‬قسم‭ ‬استقبال‭ ‬المراجعين‭ ‬قدمت‭ ‬رسالة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مكتب‭ ‬الوكيل‭ ‬المساعد‭ ‬للتعليم‭ ‬العام‭ ‬والفني‭ ‬لكنها‭ ‬قوبلت‭ ‬برد‭ ‬مخيب‭ ‬للآمال‭ ‬مفاده‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬نقلها‭ ‬لعدم‭ ‬توفر‭ ‬البديل‭ ‬والمفارقة‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬فائضا‭ ‬بعدد‭ ‬المعلمات‭ ‬بدون‭ ‬جدول‭ ‬دراسي‭ ‬وبنفس‭ ‬التخصص‭!‬

المعلمة‭ ‬تلقت‭ ‬ردا‭ ‬من‭ ‬مكتب‭ ‬الوكيل‭ ‬يفيد‭ ‬بأنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬نقل‭ ‬عشرات‭ ‬الطلاب‭! ‬من‭ ‬الطابق‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬الأرضي‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنّ‭ ‬الوزارة‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بمدارسها،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬مدرسة‭ ‬مدينة‭ ‬حمد‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬أصلا‭ ‬صفوفا‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬بل‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬غرف‭ ‬للمعلمات‭!! ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تفاجأت‭ ‬الوزارة‭ ‬باستحالة‭ ‬نقل‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬كان‭ ‬الرد‭ ‬سلبيا،‭ ‬فقدمت‭ ‬المعلمة‭ ‬طلبا‭ ‬آخر‭ ‬لمكتب‭ ‬الوزير‭ ‬ماجد‭ ‬النعيمي‭ ‬وكالعادة‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬حالتها‭ ‬الإنسانية‭ ‬المستعجلة‭.‬

إن‭ ‬وضع‭ ‬المعلمة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬بالغ‭ ‬الحرج،‭ ‬فالأطباء‭ ‬المشرفون‭ ‬المباشرون‭ ‬على‭ ‬علاجها‭ ‬نصحوا‭ ‬المعلمة‭ ‬بعدم‭ ‬استخدام‭ ‬السلالم‭ ‬لتأثيرها‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬وضعها‭ ‬ولما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسبب‭ ‬من‭ ‬مضاعفات‭ ‬والوزارة‭ ‬غير‭ ‬مكترثة‭ ‬بإيجاد‭ ‬حل‭ ‬ينهي‭ ‬عذاباتها‭.‬