وَخْـزَةُ حُب

حين ينتقل الاختناق من الشارع... إليك!

| د. زهرة حرم

أصبح‭ ‬من‭ ‬المقلق‭ ‬جدًا،‭ ‬والمزعج‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬–‭ ‬جميعًا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬زحام‭ ‬واختناق‭ ‬مروري‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شوارع‭ ‬البحرين،‭ ‬من‭ ‬أقصاها‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها‭! ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حادثًا‭ ‬بسيطًا‭ ‬في‭ ‬شمالها‭ ‬قد‭ ‬يجلب‭ ‬الويلات‭ ‬في‭ ‬جنوبها؛‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬صغيرة‭ ‬المساحة،‭ ‬شوارعها‭ ‬لا‭ ‬تستوعب‭ ‬الطفرات‭ ‬القافزة‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬ترتادها،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬سكانية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭.‬

هذه‭ ‬قضايا‭ ‬تخص‭ ‬وزارتي‭ ‬الأشغال‭ ‬والداخلية‭ ‬وبعض‭ ‬الجهات،‭ ‬فهم‭ ‬–‭ ‬بطيبعة‭ ‬الحال‭- ‬لا‭ ‬يجهلونها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬شاهرة‭ ‬للجميع‭ ‬منا،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬موضوعنا‭. ‬موضوعنا‭ ‬هو‭ ‬الحالة‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬نتجشم‭ ‬عناءها‭ ‬يوميًا؛‭ ‬كلما‭ ‬سقنا‭ ‬سياراتنا‭ ‬إلى‭ ‬مقار‭ ‬عملنا،‭ ‬أو‭ ‬مواعيدنا‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الطبية‭ ‬منها،‭ ‬وكيف‭ ‬تضيق‭ ‬أنفاسنا‭ ‬وسط‭ ‬زحام‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬ينفرج‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نزبد‭ ‬ونرعد،‭ ‬وربما‭ ‬ننفجر‭ ‬غضبا‭ ‬على‭ ‬السواق‭ ‬الآخرين؛‭ ‬إذ‭ ‬تتحول‭ ‬الغالبية‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬فنانين‭ ‬في‭ ‬التجاوز‭ ‬والمخالفات،‭ ‬فكي‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬وجهاتهم؛‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬تأخيرك،‭ ‬كمشاغبين‭ ‬في‭ ‬الصفوف؛‭ ‬يتقدمونك،‭ ‬دون‭ ‬هوادة‭ ‬أو‭ ‬مبالاة‭!‬

ما‭ ‬أكثر‭ ‬الاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬التي‭ ‬تُفقدنا‭ ‬التركيز،‭ ‬والهدوء،‭ ‬والسيطرة،‭ ‬والانضباط؛‭ ‬فيفلت‭ ‬عقالنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نشعر،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬السرعات‭ ‬البطيئة‭ ‬والسريعة‭ ‬نسبيًا؛‭ ‬قد‭ ‬نُفاجأ‭ ‬بأننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬قاب‭ ‬قوسين‭ ‬أو‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬ضرب‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬تتقدمنا،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أوشكنا‭ ‬على‭ ‬ذلك؛‭ ‬وفي‭ ‬الحالتين؛‭ ‬يمكنكم‭ ‬تخيل‭ ‬ضربات‭ ‬الدفوف‭ ‬القلبية،‭ ‬والتوتر،‭ ‬والخوف‭ ‬أو‭ ‬الجزع،‭ ‬وارتفاع‭ ‬الضغط،‭ ‬وتسارع‭ ‬الأنفاس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬خاصة،‭ ‬وتمرين‭ ‬لاستيعاب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصدمات،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُودي‭ ‬بحياة‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬منا‭!‬

هذا‭ ‬الخنق‭ ‬المروري‭ ‬الإجباري‭ ‬يحتاج‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬نفسي‭ ‬وجسدي‭ ‬مادي‭ ‬معًا؛‭ ‬فتوقعه‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬النفسي‭ ‬الناجم‭ ‬عنه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم؛‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الأمر‭ ‬بإيجابية‭ ‬وأريحية‭ ‬دون‭ ‬انفعالات‭ ‬زائدة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التفكير‭ ‬بشغل‭ ‬أو‭ ‬استثمار‭ ‬وقت‭ ‬الانتظار‭ ‬الطويل؛‭ ‬بما‭ ‬يحببه‭ ‬المرء‭ ‬منا،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬موسيقى‭ ‬هادئة،‭ ‬أو‭ ‬قرآن،‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬سيساهم‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬إلهاء‭ ‬السائق‭ ‬وتجنيبه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬التوتر‭ ‬أو‭ ‬الغضب‭!‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الزحامات‭ ‬المرورية‭ ‬لدينا‭ ‬واقع‭ ‬معيش،‭ ‬ومهما‭ ‬بغضنا‭ ‬أو‭ ‬كرهنا‭ ‬الوقوع‭ ‬فيه؛‭ ‬فإنه‭ ‬قائم،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬نتعامل‭ ‬معه‭ ‬بمرونة؛‭ ‬سيكون‭ ‬عاملا‭ ‬سلبيًا،‭ ‬قد‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬عاداتنا‭ ‬السلوكية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نشعر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سيئ‭ ‬ومخيف‭! ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬كلاما‭ ‬مُغاليا‭ ‬أو‭ ‬مُزايدا؛‭ ‬إذْ‭ ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬لتوتر‭ ‬مستدام،‭ ‬وبصفة‭ ‬يومية،‭ ‬لأسباب‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادتك،‭ ‬وبلا‭ ‬منطق‭ ‬سوى‭ ‬منطق‭ ‬الشوارع‭ ‬واختناقاتها،‭ ‬ماذا‭ ‬تتوقع‭ ‬النتيجة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬البعيد؟‭! ‬إنه‭ ‬الضغط‭ ‬الذي‭ ‬يكتم‭ ‬على‭ ‬أنفاسك‭ ‬بهدوء،‭ ‬وبالتدريج،‭ ‬حتى‭ ‬ينقل‭ ‬الاختناق‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬إليك‭! ‬فاحذر‭.‬