اليوم الدولي للتسامح

| عبدعلي الغسرة

من‭ ‬نِعم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬التسامح،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحميدة،‭ ‬فالتسامح‭ ‬هو‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬مزاياهم‭ ‬وحسناتهم‭ ‬وعدم‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬عيوبهم‭ ‬وأخطائهم،‭ ‬فحياتنا‭ ‬القصيرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نملأها‭ ‬حُبًا‭ ‬لأنفسنا‭ ‬وللآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬وإياهم‭ ‬دون‭ ‬كراهية‭ ‬أو‭ ‬حقد‭ ‬لنحقق‭ ‬الطمأنينة‭ ‬لأنفسنا‭ ‬والسكينة‭ ‬لها‭.‬

قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬﴿خُذِ‭ ‬الْعَفْوَ‭ ‬وَأْمُرْ‭ ‬بِالْعُرْفِ‭ ‬وَأَعْرِضْ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْجَاهِلِين﴾‭ (‬الأعراف‭ ‬199‭)‬،‭ ‬فالتسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬العدالة‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬فعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬ألا‭ ‬يسمع‭ ‬من‭ ‬أحدهم‭ ‬كلمة‭ ‬تؤذيه‭ ‬أو‭ ‬إشارة‭ ‬إليه‭ ‬يكرهها،‭ ‬فذلك‭ ‬يجلب‭ ‬روح‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬بالتسامح‭ ‬وهو‭ ‬زينة‭ ‬الفضائل‭ ‬التي‭ ‬ترتقي‭ ‬بها‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬العُلا،‭ ‬والتسامح‭ ‬ليس‭ ‬ضعفا‭ ‬بل‭ ‬قوة،‭ ‬قوة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬ومكرهم،‭ ‬فعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يُقابل‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬بمثلها‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬“يكتبها‭ ‬على‭ ‬الرمال‭ ‬عسى‭ ‬ريح‭ ‬التسامح‭ ‬تمحيها”،‭ ‬فالتسامح‭ ‬أثره‭ ‬كالنحت‭ ‬على‭ ‬الصخر‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأشد‭ ‬ريح‭ ‬أن‭ ‬تمحوه‭ ‬من‭ ‬الوجود‭.‬

إن‭ ‬أعظم‭ ‬وثيقة‭ ‬للتسامح‭ ‬أطلقها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬يوم‭ ‬فتح‭ ‬مكة‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬للذين‭ ‬قاتلوه‭ ‬وطردوه‭ ‬وآذوه‭ (‬اذهبوا‭ ‬فأنتم‭ ‬الطلقاء‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الانتقام‭ ‬والثأر‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬رسول‭ ‬الرحمة‭ ‬والمغفرة‭ ‬والتسامح،‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬والمنافقين‭ ‬واليهود‭ ‬والنصارى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬الإساءة‭ ‬بإساءة‭ ‬مثلها،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬رفيقًا‭ ‬بهم‭ ‬تسامح‭ ‬مع‭ ‬زلاتهم‭ ‬واستغفر‭ ‬لهم،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬اهتدوا‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مسلمين‭.‬

إن‭ ‬عدم‭ ‬التسامح‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬السلبية‭ ‬بينما‭ ‬ذات‭ ‬الإنسان‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬النقاء‭ ‬وصفاء‭ ‬النفس‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬التسامح‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬فالسكوت‭ ‬على‭ ‬أخطاء‭ ‬الآخرين‭ ‬ليس‭ ‬انكسارا‭ ‬ولا‭ ‬هزيمة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬غفران‭ ‬تعززه‭ ‬قوة‭ ‬الإيمان،‭ ‬والتسامح‭ ‬لا‭ ‬يُكلف‭ ‬شيئًا‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬“يوفر‭ ‬نفقات‭ ‬الغضب‭ ‬وعجز‭ ‬الكراهية‭ ‬وإزهاق‭ ‬الأرواح”،‭ ‬التسامح‭ ‬يمد‭ ‬للصواب‭ ‬قوته‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الامتداد‭ ‬فجميع‭ ‬الأخطاء‭ ‬قابلة‭ ‬للتسامح‭ ‬مهما‭ ‬كانت،‭ ‬إن‭ ‬التسامح‭ ‬طاقة‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬أعطاها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للإنسان،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭ ‬منها‭ ‬لينعم‭ ‬بحياته‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬منعةٍ‭ ‬وسلام،‭ ‬فكلنا‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فالبغض‭ ‬يبعدنا‭ ‬والحُب‭ ‬يُقربنا‭ ‬والتسامح‭ ‬يجمعنا‭.‬