ألبرتو مانغويل... هوس القراءة

| أميرة صليبيخ

لا‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬ألبرتو‭ ‬مانغويل‭ ‬الكاتب‭ ‬والروائي‭ ‬والمترجم‭ ‬الأرجنتيني‭ ‬الأصل‭-‬كندي‭ ‬الجنسية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدفعنا‭ ‬الفضول‭ ‬الجارف‭ ‬لمحرك‭ ‬البحث‭ ‬غوغل‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬مكتبته‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬كتابا،‭ ‬أمضى‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬سعي‭ ‬محموم‭ ‬لاقتنائها‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬مكتبته‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المكتبات‭ ‬الشخصية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

“الرجل‭ ‬المكتبة”‭ ‬أو‭ ‬دودة‭ ‬الكتب‭ ‬الشرسة‭ ‬كما‭ ‬يسمونه،‭ ‬يسحرك‭ ‬بعالمه‭ ‬الخاص‭ ‬حيث‭ ‬تتوغل‭ ‬معه‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬الكتب‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬يتقابل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬لتذوقها‭ ‬واستخلاص‭ ‬عصارة‭ ‬العقول‭ ‬المختلفة‭ ‬والروح‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬شافية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬فمعه‭ ‬تدرك‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬متعة‭ ‬القراءة‭ ‬لا‭ ‬تضاهيها‭ ‬سوى‭ ‬متعة‭ ‬الكتابة‭ ‬عنها‭ ‬والإبحار‭ ‬فيها‭ ‬بعيدا‭ ‬برفقة‭ ‬العزلة‭ ‬المختارة‭ ‬كصديق‭ ‬وفي‭!‬

لقد‭ ‬لعبت‭ ‬أسرته‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬إيمانه‭ ‬بحلمه‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أمين‭ ‬مكتبة‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬أقرانه‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يسعون‭ ‬لوظائف‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الهندسة‭ ‬والمحاماة‭ ‬والطب‭. ‬فأمه‭ ‬كانت‭ ‬تنفعل‭ ‬وتبكي‭ ‬كلما‭ ‬قرأ‭ ‬على‭ ‬مسامعها‭ ‬قصائد‭ ‬لأمادو‭ ‬نيربو‭ ‬وبابلو‭ ‬نيرودا،‭ ‬وجده‭ ‬كان‭ ‬يحتفي‭ ‬بأبيات‭ ‬شعره،‭ ‬أما‭ ‬خاله‭ ‬فشجعه‭ ‬ليتفرغ‭ ‬قلبًا‭ ‬وقالبًا‭ ‬للكتابة،‭ ‬أما‭ ‬عمته‭ ‬فكان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬غرس‭ ‬هذا‭ ‬العشق‭ ‬المبكر‭ ‬للكتب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمعها‭ ‬مجموعة‭ ‬قصاصات‭ ‬تدون‭ ‬عليها‭ ‬اقتباسات‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وتقرأها‭ ‬على‭ ‬مسامعه،‭ ‬وحالفه‭ ‬الحظ‭ ‬السعيد‭ ‬جدا‭ ‬عندما‭ ‬التقى‭ ‬ذات‭ ‬صدفة‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬بالروائي‭ ‬العظيم‭ ‬بورخيس‭ (‬الأعمى‭)‬،‭ ‬وصار‭ ‬له‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬عينا‭ ‬ثالثة‭ ‬يقرأ‭ ‬له‭ ‬الكتب‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬يومي‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬وأثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الصداقة‭ ‬توفير‭ ‬الأرضية‭ ‬الخصبة‭ ‬التي‭ ‬هيأته‭ ‬لاحقا‭ ‬ليكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬أدبية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭.‬

قد‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬للجميع‭ ‬البيئة‭ ‬المناسبة‭ ‬لاتباع‭ ‬الأحلام،‭ ‬لكنك‭ ‬طالما‭ ‬عرفت‭ ‬حلمك‭ ‬وآمنت‭ ‬به‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يتهيأ‭ ‬لك‭ ‬الطريق‭.‬