الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص (3-4)

| أحمد السليمان

أسوق‭ ‬هنا‭ ‬مثالًا‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬الشراكة‭ ‬الحكومية‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬البحرين‭. ‬فكلنا‭ ‬يذكر‭ ‬شركة‭ ‬الاتصالات‭ (‬كيبل‭ ‬ويليس‭) ‬كما‭ ‬كنا‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬محليًا،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمة‭ ‬ومقدار‭ ‬التكلفة‭ ‬لاستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ولغاية‭ ‬تحرير‭ ‬السوق‭ ‬قبل‭ ‬قرابة‭ ‬15‭ ‬عاما‭.‬

فقد‭ ‬تمتعت‭ ‬شركة‭ ‬بتلكو‭ (‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬حينه‭) ‬بامتيازات‭ ‬حصرية‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬البحرينية،‭ ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الطموح‭ ‬وأسعار‭ ‬باهظة‭ ‬نظير‭ ‬توفير‭ ‬تلك‭ ‬الخدمات،‭ ‬وكان‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬مسؤولي‭ ‬الشركة‭ ‬ينطق‭ ‬بلسان‭ ‬هارون‭ ‬الرشيد،‭ ‬فيقولون‭ ‬للعملاء‭ ‬“يا‭ ‬سحابة،‭ ‬أمطري‭ ‬حيث‭ ‬شئت‭ ‬فإن‭ ‬خراجك‭ ‬سوف‭ ‬يأتيني”‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬سوق‭ ‬الاتصالات‭ ‬وبدء‭ ‬المنافسة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تغيرت‭ ‬المعادلة‭ ‬بالكامل،‭ ‬وقامت‭ ‬شركات‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الاتصالات‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬التقنية‭ ‬بشكل‭ ‬واسع،‭ ‬ونتج‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬قطاع‭ ‬اتصالات‭ ‬متقدم‭ ‬جدًا‭ ‬وخدمة‭ ‬راقية‭ ‬للمقيم‭ ‬والزائر‭.‬

ولكن‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬الممارسات‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬القطاعين‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬المتناثرة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أصقاع‭ ‬الأرض،‭ ‬يلفها‭ ‬الفساد‭ ‬والممارسات‭ ‬غير‭ ‬الرشيدة‭ ‬فتكون‭ ‬نهايتها‭ ‬مأساوية‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وعلى‭ ‬مستقبل‭ ‬الحكومات‭ ‬وعلى‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭.‬

ففي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتخلفة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الانقلابات‭ ‬واستبدال‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬الفاسدة‭ ‬بأنظمة‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬فسادًا‭ ‬وغباءً،‭ ‬تبدأ‭ ‬حملات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬التأميم‭ ‬بحيث‭ ‬تستولي‭ ‬الحكومة‭ (‬في‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬الجديد‭) ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬والمصانع‭ ‬والمزارع‭ ‬والأسواق‭ ‬وتبدأ‭ ‬بإدارتها‭ ‬وقيادتها‭ ‬نحو‭ ‬الانهيار‭. ‬فيبدأ‭ ‬مسلسل‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬من‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل‭ ‬المتلاحقة‭. ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬وزير‭ ‬الصناعة‭ ‬نفسه‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬مصنعا‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يعلم‭ ‬عنها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تقريبًا،‭ ‬بل‭ ‬تنتهي‭ ‬مدة‭ ‬تكليفه‭ ‬بالوزارة‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يزر‭ ‬مواقع‭ ‬معظمها‭. ‬ويتفاقم‭ ‬الأمر‭ ‬عندما‭ ‬يجد‭ ‬وزير‭ ‬الزراعة‭ ‬نفسه‭ ‬مسؤولا‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬مزارع‭ ‬وحقول‭ ‬خصبة‭ ‬منتشرة‭ ‬بطول‭ ‬البلاد‭ ‬وعرضها‭ ‬تنتج‭ ‬قائمة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬المحاصيل،‭ ‬فيصبح‭ ‬هو‭ ‬الخصم‭ ‬والحكم،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬يصدر‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬المهنة‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يطبق‭ ‬تلك‭ ‬القوانين‭ ‬باعتباره‭ ‬المالك‭ ‬الجديد‭ ‬لتلك‭ ‬المزارع‭. ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الحالات،‭ ‬تسمع‭ ‬وترى‭ ‬قصص‭ ‬مخزية‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬والتنفيع‭ ‬وممارسات‭ ‬تنبئ‭ ‬بقلة‭ ‬النضج‭ ‬وانعدام‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع،‭ ‬فتجد‭ ‬الحكومات‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬خيارات‭ ‬عدة‭ ‬أحلاها‭ ‬شديد‭ ‬المرارة‭.‬

وتبدأ‭ ‬عملية‭ ‬استنزاف‭ ‬ميزانيات‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬عقيمة‭ ‬ومسلسلات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬العوائق‭ ‬الفنية‭ ‬والقانونية‭.‬

فالحكومات‭ ‬يجب‭ ‬عليها‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬يبرع‭ ‬بها‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬زراعة‭ ‬القمح‭ ‬وصناعة‭ ‬الخبز‭ ‬أو‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬الإنشاءات‭ ‬أو‭ ‬الصناعة‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬المعقدة‭ ‬مثل‭ ‬التمويل‭ ‬والتجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬فرحم‭ ‬الله‭ ‬امرئ‭ ‬عرف‭ ‬قدر‭ ‬نفسه‭ ‬فوقف‭ ‬عنده‭.‬