الفرد والمجتمع بين إرهاب الجماعات والتيارات (3-3)

| عادل عيسى المرزوق

الجانب‭ ‬الأخطر،‭ ‬وأكرّر‭ ‬أن‭ ‬الأخطر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الموبقات‭ ‬والمصائب‭ ‬والبلاء‭ ‬يحدث‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬الدين‭ ‬والإيمان‭ ‬وتقديس‭ ‬معتقد‭ ‬أو‭ ‬فكرة‭ ‬ما،‭ ‬وإجراء‭ ‬عملية‭ ‬“غسيل‭ ‬أدمغة”‭ ‬للأتباع‭ ‬والمريدين‭ ‬والمؤيدين‭ ‬بأسلوب‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستهانة‭ ‬به‭ ‬أبدًا‭ ‬لأن‭ ‬هندسته‭ ‬تتم‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬أناس‭ ‬من‭ ‬المنظرين‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬العبث‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬البسطاء‭ ‬الذين‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليهم‭ ‬واستغلالهم‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬“الدين‭ ‬والصلاح‭ ‬والعبادة‭ ‬والتقوى”،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬والطبقات‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدعاة‭ ‬والوعاظ‭ ‬والكتاب‭ ‬وخطباء‭ ‬المنبر‭ ‬من‭ ‬المعتدلين‭ ‬ذوي‭ ‬الفكر‭ ‬الوسطي،‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬وكذلك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬والكتاب‭ ‬تناولوا‭ ‬بالشرح‭ ‬والتوعية‭ ‬والتوجيه‭ ‬والتحذير‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬ما‭ ‬يسمونه‭ ‬بالجماعات‭ ‬“المؤدلجة”‭ ‬وركّزوا‭ ‬على‭ ‬توعية‭ ‬الشباب‭ ‬وتحصينهم‭ ‬من‭ ‬تبني‭ ‬الأفكار‭ ‬المنحرفة،‭ ‬وبالطبع،‭ ‬فإن‭ ‬للأسرة‭ ‬دورها‭ ‬المهم‭ ‬وللمدرسة‭ ‬وللجامعة‭ ‬وللمؤسسة‭ ‬الدينية‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬تقع‭ ‬موقعًا‭ ‬“غير‭ ‬مهم”‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكثيرين،‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬توعية‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬أولًا،‭ ‬ففي‭ ‬ذلك‭ ‬مدعاة‭ ‬لتوقع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬المرفوضة،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬معرضين‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬لهذا‭ ‬الغسيل‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬بالأبناء،‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬وإدراك‭ ‬ونقل‭ ‬تجربة‭ ‬ونصيحة‭ ‬وإرشاد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬حمايتهم‭.‬

‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬ويقول‭ ‬آخر‭ ‬إنها‭ ‬موجودة‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سري،‭ ‬فيما‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أصحاب‭ ‬الفكر‭ ‬والطائفي‭ ‬والمذهبي‭ ‬وذوي‭ ‬التشدد‭ ‬الديني‭ ‬يمثلون‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحالات‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬الضرورة‭ ‬والأهمية‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬توعية‭ ‬المجتمع‭ ‬بكل‭ ‬فئاته‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬فئة‭ ‬الناشئة‭ ‬والشباب‭ ‬بمخاطر‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬شرك‭ ‬الجماعات‭ ‬ذات‭ ‬الأجندات‭ ‬الخاصة‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬التحذير‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات،‭ ‬لكن‭ ‬بالمنطق،‭ ‬فإنها‭ ‬بالفعل‭ ‬خطيرة‭ ‬ومدمرة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سري‭ ‬أو‭ ‬ضيق‭ ‬لأنها‭ ‬عندما‭ ‬تقوى‭ ‬وتنتشر‭ ‬وتجرف‭ ‬معها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬فهي‭ ‬بذلك‭ ‬ستكون‭ ‬بؤرة‭ ‬لنشر‭ ‬أفكار‭ ‬دخيلة‭ ‬لا‭ ‬يقبلها‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬خصوصًا‭ ‬وأننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬تتعرّض‭ ‬فيه‭ ‬المجتمعات‭ ‬لرياح‭ ‬وهجمات‭ ‬تحرمها‭ ‬الاستقرار‭ ‬والعيش‭ ‬الآمن،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬وكذلك‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬المعتدلة‭ ‬والأهلية‭ ‬المجتمعية‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثله‭ ‬هذا‭ ‬“الفكر‭ ‬المختل”‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬هدم‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة،‭ ‬ويحرم‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬حياة‭ ‬طبيعية‭ ‬كونهم‭ ‬رهنوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬لجماعة‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬يلعب‭ ‬بهم‭ ‬كما‭ ‬يشاء،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إطلاقًا‭ ‬السماح‭ ‬بمن‭ ‬يستغل‭ ‬معتقدًا‭ ‬دينيًّا‭ ‬أو‭ ‬فكريًّا‭ ‬أو‭ ‬يتبنى‭ ‬أفكارًا‭ ‬متشددة‭ ‬ومتطرفة‭ ‬حسب‭ ‬أهوائه‭ ‬وما‭ ‬يشتهي‭ ‬لكي‭ ‬يعبث‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع‭.‬

بعد‭ ‬هذه‭ ‬السلسلة،‭ ‬فإن‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬نكرّر‭ ‬عليها‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬كلنا‭ ‬مسئولون‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬مجتمعنا‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الهدّامة،‭ ‬ومن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستغلون‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الإضرار‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬يعرّضون‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الوطن‭ ‬لخطر‭ ‬داهم،‭ ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭.‬