الفرد والمجتمع بين إرهاب الجماعات والتيارات (2-3)

| عادل عيسى المرزوق

تكمن‭ ‬مخاطر‭ ‬“سيطرة‭ ‬فكر‭ ‬الجماعة”‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إخضاع‭ ‬الأتباع‭ ‬بلا‭ ‬حول‭ ‬منهم‭ ‬ولاقوة،‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬امتلك‭ ‬الشجاعة‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬رشده‭ ‬لينسلخ‭ ‬عنها،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬قرأت‭ ‬كما‭ ‬قرأ‭ ‬الكثيرين‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالنبي‭ ‬الشعلة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬“البلاد”‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬16‭ ‬يونيو‭ ‬2019‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ :‬”سفير‭ ‬للإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ومهدي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وآخر‭ ‬في‭ ‬السعودية”،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬لهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬نشأة‭ ‬وتنظيم‭ ‬وخطة‭ ‬عمل‭ ‬وآلية‭ ‬بل‭ ‬ولها‭ ‬منظروها‭ ‬ومروجو‭ ‬أفكارها‭.‬

ومن‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الشعلة‭ ‬في‭ ‬مقاله‭ ‬القيم‭ ‬والمثير‭ ‬والبالغ‭ ‬الحساسية،‭ ‬عما‭ ‬وجده‭ ‬عن‭ ‬“جماعة‭ ‬السفارة”،‭ ‬التي‭ ‬“تشكلت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬العام‭ ‬1980م‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬شبان‭ ‬مبتدئين‭ ‬يقودهم‭ ‬شخص‭ ‬فقير‭ ‬في‭ ‬تحصيله‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬العلمي‭ ‬ومتواضع‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬لكنه‭ ‬أسبغ‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لقب‭ ‬“باب‭ ‬المولى”،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬له‭ ‬اتصالا‭ ‬مباشرا‭ ‬بالإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر،‭ ‬وإن‭ ‬الإمام‭ ‬يزوره‭ ‬ويخاطبه،‭ ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬له‭ ‬الإمام‭ ‬استياءه‭ ‬وتذمره‭ ‬للوضع‭ ‬المزري‭ ‬والمتردي‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حال‭ ‬المسلمين،‭ ‬وعينه‭ ‬مندوبًا‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬“سفيرًا”‭ ‬له،‭ ‬وكلفه‭ ‬بالاضطلاع‭ ‬بمهمة‭ ‬“تجديد”‭ ‬الدين‭ ‬وإصلاح‭ ‬شؤون‭ ‬المسلمين‭ ‬وإعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬جادة‭ ‬الصواب؛‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للخروج‭ ‬المهدوي‭ ‬المحتوم،‭ ‬وهذا‭ ‬السفير‭ ‬سار‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬بالسر‭ ‬والخفاء‭ ‬بدايةً،‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬أُودع‭ ‬فيه‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬خارجه،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬أعداد‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬الأتباع‭ ‬والمريدين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ركز‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬النساء،‭ ‬خصوصا‭ ‬الثريات‭ ‬منهن،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهن،‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬لي‭ ‬وقتها،‭ ‬فتاة‭ ‬بحرينية‭ ‬شابة‭ ‬وهبت‭ ‬كامل‭ ‬حصتها‭ ‬وما‭ ‬ورثته‭ ‬من‭ ‬تركة‭ ‬والدها‭ ‬الثري‭ ‬جدًا‭ ‬إلى‭ ‬صندوق‭ ‬أو‭ ‬جيب‭ ‬السفير‭ ‬كمساهمة‭ ‬منها‭ ‬لنشر‭ ‬دعوته”‭. (‬انتهى‭ ‬الاقتباس‭).‬

هذا‭ ‬الاقتباس‭ ‬يقودني‭ ‬كما‭ ‬يقود‭ ‬الكثيرين‭ ‬منا‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الجماعات،‭ ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الآراء‭ ‬حينما‭ ‬نتحدث‭ ‬مع‭ ‬العارفين‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات،‭ ‬ولقد‭ ‬وقع‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬جحيم‭ ‬تبعية‭ ‬الجماعات‭ ‬حتى‭ ‬خسروا‭ ‬حياتهم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وبعض‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬على‭ ‬اختلافها،‭ ‬هربوا‭ ‬ربما‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬دولهم‭ ‬وألفوا‭ ‬كتبًا‭ ‬حول‭ ‬تجربتهم‭ ‬ومسيرتهم‭ ‬وسردوا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬يندى‭ ‬لها‭ ‬الجبين‭ ‬من‭ ‬شدتها‭! ‬بعض‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬بعض‭ ‬المنازل‭ ‬لأتباع‭ ‬الجماعة‭ ‬لمعاقبة‭ ‬أو‭ ‬لسجن‭ ‬من‭ ‬يعترض‭ ‬أو‭ (‬من‭ ‬تعترض‭)‬،‭ ‬ونقصد‭ ‬هنا‭ ‬أتباعهم‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬إشعال‭ ‬الفتنة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ومنها‭ ‬زرع‭ ‬العداوة‭ ‬والبغضاء‭ ‬بين‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬وبين‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬والتحريض‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬بغية‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬استقرارها‭ ‬وعلى‭ ‬نسيجها‭ ‬الوطني‭ ‬وسلامة‭ ‬جبهتها‭ ‬الداخلية،‭ ‬والأكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يصل‭ ‬برؤوس‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬تفتيت‭ ‬العلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬وإحداث‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الصدام‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الأخ‭ ‬وأخيه‭ ‬وبين‭ ‬الأزواج‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭.(‬يتبع‭).‬