الفرد والمجتمع بين إرهاب الجماعات والتيارات (1-3)

| عادل عيسى المرزوق

في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ومنها‭ ‬مجتمعنا‭ ‬البحريني،‭ ‬كنا‭ ‬نستغرب‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬وننكر‭ ‬وننصدم،‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬جماعة‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬فكري،‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬لها‭ ‬اعتقاداتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬بحيث‭ ‬تصبح‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التيار،‭ ‬بمثابة‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الفرد،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬مجتمع‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬نقول‭.. ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬أتباعه‭.‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬مضي‭ ‬السنين،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬ابتُلي‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات،‭ ‬والأخطر‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬حظيت‭ ‬بالترخيص‭ ‬الرسمي‭ ‬أو‭ ‬رفعت‭ ‬لافتةً‭ ‬على‭ ‬مقرها‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وفعالياته،‭ ‬وأخطرها‭ ‬من‭ ‬تتلبس‭ ‬بلباس‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الطائفة،‭ ‬والخطورة‭ ‬هنا‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬سهولة‭ ‬الإيقاع‭ ‬بالأتباع‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الدين‭ ‬والمتاجرة‭ ‬ببعض‭ ‬المعتنقات‭ ‬أو‭ ‬المعتقدات‭ ‬الدينية،‭ ‬وأيضًا،‭ ‬الخطر‭ ‬يصبح‭ ‬أشد‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التيار،‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬لها‭ ‬نفوذها‭ ‬وسطوتها‭ ‬ولها‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والقوة‭ ‬والقدرة‭ ‬ما‭ ‬يمتن‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأتباع‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الممارسات‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬البحريني‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬لها‭ ‬بقوة،‭ ‬ولعلنا‭ ‬اليوم‭ ‬نجد‭ ‬الحديث‭ ‬يتكرّر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬عن‭ ‬إرهاب‭ ‬الجماعات‭ ‬الدينية،‭ ‬ووسمها‭ ‬مع‭ ‬شديد‭ ‬الأسف‭ ‬بالجماعات‭ ‬“الإسلامية”‭ ‬كون‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬هو‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬تعتنقه‭ ‬ولا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننكر‭ ‬ذلك،‭ ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬ليست‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬إسلامية‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العشيرة‭ ‬والقبيلة‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬أصبحت‭ ‬تتفرع‭ ‬جماعات‭ ‬لها‭ ‬خطرها‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬الفرد‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ ‬إرهاب‭ ‬بحمل‭ ‬السلاح،‭ ‬فلها‭ ‬إرهاب‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬الإرهاب‭ ‬الفكري‭ ‬وإرهاب‭ ‬السيطرة‭ ‬وإخضاع‭ ‬الأتباع‭ ‬وتسييرهم‭ ‬كيف‭ ‬ووفق‭ ‬ما‭ ‬تشاء‭ ‬قيادة‭ ‬الجماعة‭.‬

‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أطالع‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬تقريرًا‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬أصدره‭ ‬مركز‭ ‬اسمه‭ ‬“مؤمنون‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬للدراسات”،‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب‭ ‬عنوانه‭ :‬”التطرف‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭.. ‬نحو‭ ‬مقاربات‭ ‬تفسيرية”،‭ ‬فيه‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬فهم‭ ‬جوانب‭ ‬التطرف‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬ما‭ ‬أسموه‭ ‬“الظاهر‭ ‬المميتة‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬المعاصرة”،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬التطرف‭ ‬مقتصرًا‭ ‬وحصرًا‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬بعينها‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬مختلف‭ ‬الشعوب‭ ‬ووفق‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬والأديان،‭ ‬وكذلك‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬الممارسات‭ ‬الناضجة‭ ‬والواعية‭ ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬الإرهاب‭ ‬والغلو‭ ‬والتشدد‭ ‬الخارج‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬المقبولة،‭ ‬والذي‭ ‬يلقي‭ ‬بآثاره‭ ‬الضارة‭ ‬على‭ ‬الأوطان،‭ ‬أفرادًا‭ ‬ومجتمعًا،‭ ‬لما‭ ‬لأثر‭ ‬سيكولوجية‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬والطائفية‭ ‬والتشدّد‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الكثيرين‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬النتائج‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬البديهية‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬دون‭ ‬إجراء‭ ‬أبحاث‭ ‬أو‭ ‬دراسات،‭ ‬وهو‭ ‬بديهة‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬تطرف‭ ‬وانغلاق‭ ‬وفتنة‭ ‬وغرس‭ ‬لتبعية‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الطائفة‭ ‬أو‭ ‬هذه‭ ‬العشيرة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬القبيلة‭ ‬دون‭ ‬تبعية‭ ‬الارتباط‭ ‬بالوطن،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬تهديد‭ ‬خطير‭ ‬للمجتمع‭.‬