قهوة الصباح

سقوط جدار برلين الإسلام السياسي

| سيد ضياء الموسوي

قبل‭ ‬15‭ ‬عاما‭ ‬نسجت‭ ‬بأصابع‭ ‬محترقة‭ ‬مقالات‭ ‬مفصلة‭ ‬عن‭ ‬“عفريت”‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬حكومات‭ ‬“الزومبي”‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أيديولوجية‭ ‬التوحش‭ ‬الديني‭ ‬أكانت‭ ‬سنية‭ ‬تعتاش‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬الخلفاء‭ (‬رض‭) ‬أو‭ ‬شيعية‭ ‬توزع‭ ‬“الدولة‭ ‬الممهدة‭ ‬للمهدي‭ ‬ع”‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ (‬ع‭) ‬أو‭ ‬مسيحية‭ ‬تتاجر‭ ‬بنظرية‭ ‬“الخطيئة”‭ ‬أو‭ ‬يهودية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عنصرية‭ ‬“الشعب‭ ‬المختار”،‭ ‬وقلت‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬دينية،‭ ‬وأن‭ ‬المخدرات‭ ‬الدينية‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬قوية‭ ‬سينتهي‭ ‬مفعولها‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬للشعوب‭ ‬المخدرة‭. ‬وذكرت‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬المثال‭ ‬“طالبان”‭ ‬وإيران‭ ‬و‭ ‬“الإخوان‭ ‬المسلمين”‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬نظرية‭ ‬الخلافة‭ ‬والأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬والحكيم‭ ‬ولبنان‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬متمثلًا‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭.‬

قلت‭: ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬تختلف،‭ ‬الجينات‭ ‬والحامض‭ ‬النووي‭ ‬واحد‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬فتلك‭ ‬تحتكر‭ ‬الإله‭ ‬وهذه‭ ‬تحتكر‭ ‬الكرباج‭. ‬درست‭ ‬فكر‭ ‬الإخوان‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وفكر‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬عبر‭ ‬تفسيره‭ ‬القرآني‭ ‬“في‭ ‬ظلال‭ ‬القران”‭ ‬أو‭ ‬كتابه‭ ‬“معالم‭ ‬في‭ ‬الطريق”‭. ‬

وحضرت‭ ‬الدروس‭ ‬الأخلاقية‭ ‬للشيخ‭ ‬محمد‭ ‬مهدي‭ ‬الآصفي‭ ‬وهو‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬لحزب‭ ‬الدعوة‭. ‬وحضرت‭ ‬دروس‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬السيد‭ ‬الشاهرودي‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬جبل‭ ‬عام،‭ ‬وكان‭ ‬المنتدى‭ ‬متنوعًا‭ ‬للراغبين‭ ‬في‭ ‬الدراسة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يكثر‭ ‬فيه‭ ‬طلاب‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬قم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الدروس‭ ‬يدرس‭ ‬معنا‭ ‬السيد‭ ‬عمار‭ ‬الحكيم‭ ‬ذاته،‭ ‬وكان‭ ‬أستاذنا‭ ‬حينها‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬الشيخ‭ ‬حسن‭ ‬الجواهري‭ ‬من‭ ‬أحفاد‭ ‬“صاحب‭ ‬الجواهر”‭.‬

وذات‭ ‬يوم‭ ‬كنت‭ ‬المقدم‭ ‬لحوار‭ ‬وكلمة‭ ‬السيد‭ ‬محمد‭ ‬باقر‭ ‬الحكيم‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬البحرين‭. ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الأحزاب‭ ‬والأفكار‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مهمة‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬درسته،‭ ‬من‭ ‬حتمية‭ ‬فصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة،‭ ‬وأن‭ ‬الدين‭ ‬لله‭ ‬والوطن‭ ‬للجميع،‭ ‬وأن‭ ‬مظلة‭ ‬الإنسانية‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬مظلة‭ ‬للإنسان،‭ ‬والدولة‭ ‬المدنية‭ ‬هي‭ ‬الأفضل‭ ‬للإنسان،‭ ‬وأن‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة‭ ‬ومعرفة‭ ‬الله‭ ‬وحب‭ ‬أهل‭ ‬البيت‭ ‬والصحابة‭ ‬يتعمق‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬الشباب‭ ‬عندما‭ ‬نبعد‭ ‬هذه‭ ‬المقدسات‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬وعن‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬المتغيرة‭ ‬دائما‭. ‬

وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬تحت‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬كافية‭ ‬لتشكيل‭ ‬رؤية،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬الليبرالي‭ ‬الذي‭ ‬يحترم‭ ‬الأديان‭ ‬كمعظم‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬ديني‭ ‬يقمع‭ ‬الحريات‭ ‬الدينية‭. ‬

ومن‭ ‬العام‭ ‬2006‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬أكثر‭ ‬وقتي‭ ‬عشته‭ ‬بأوروبا،‭ ‬ولو‭ ‬قسمنا‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬نصف‭ ‬فنصف‭ ‬وقتي‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وكما‭ ‬نقبت‭ ‬عن‭ ‬المعارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬بقيت‭ ‬بأوروبا‭ ‬أدرس‭ ‬الفكر‭ ‬الأوربي‭ ‬ونمط‭ ‬الحياة‭ ‬الأوربية‭. ‬

درست‭ ‬كل‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬والأصول‭ ‬والفلسفة‭ ‬والمنطق،‭ ‬وعكفت‭ ‬من‭ ‬‮١٩٩٦‬‭ ‬في‭ ‬قم‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬الفلسفة‭ ‬الغربية‭ ‬ومعنى‭ ‬الدول‭ ‬العلمانية‭ ‬والليبرالية‭ ‬عبر‭ ‬كتب‭ ‬مهربة،‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬عشته‭ ‬وصلت‭ ‬لقناعة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬شيء‭ ‬وحب‭ ‬الله‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬وأن‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬النظام‭ ‬الديني‭ ‬لا‭ ‬تلتقي‭ ‬مع‭ ‬الحضارة‭ ‬والطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬والفطرة‭ ‬السليمة‭. ‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬غربية،‭ ‬صليت‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬بكل‭ ‬حرية‭ ‬وكان‭ ‬حارس‭ ‬المسجد‭ ‬علمانيا‭ ‬أوروبيا‭. ‬

الدين‭ ‬إذا‭ ‬أدخلته‭ ‬السياسة‭ ‬حكمت‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭. ‬علاقة‭ ‬الفرد‭ ‬مع‭ ‬ربه‭ ‬علاقة‭ ‬خاصة،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬لأحد‭ ‬أن‭ ‬يحتكرها‭ ‬أو‭ ‬يدعي‭ ‬امتلاك‭ ‬وكالة‭ ‬حصرية‭ ‬من‭ ‬السماء‭. ‬ظلت‭ ‬إيران‭ ‬والأحزاب‭ ‬الإسلامية‭ ‬سنية‭ ‬أو‭ ‬شيعية‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬المظلومية،‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للشعوب،‭ ‬ومنها‭ ‬إيران‭ ‬والعراق،‭ ‬وعندما‭ ‬انتفض‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق‭ ‬انقلبوا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬علموه‭ ‬الناس‭ ‬ونكلوا‭ ‬بذات‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬تحبهم‭. ‬

إن‭ ‬شيعة‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وقبلهم‭ ‬إيران‭ ‬يعيشون‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬اضطراب‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬الشباب‭. ‬الشارع‭ ‬الشيعي‭ ‬العراقي‭ ‬واللبناني‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬والأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬الفكر‭ ‬الإيراني‭ ‬وشعارات‭ ‬العدالة‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ستقف‭ ‬ضد‭ ‬مطالب‭ ‬معيشية،‭ ‬وتصطف‭ ‬مع‭ ‬حكومات‭ ‬عرفت‭ ‬بالفساد‭ ‬والقمع‭.‬

الأعوام‭ ‬االمقبلة‭ ‬لقادمة‭ ‬ستكون‭ ‬أعوام‭ ‬الصحوة‭ ‬الشيعية‭ ‬من‭ ‬ذوبان‭ ‬الشعارات‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬العقلانية،‭ ‬وقراءة‭ ‬الأمور‭ ‬دون‭ ‬النظارات‭ ‬الشعاراتية‭. ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أؤمن‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مؤامرة‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬لبنان،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬مكر‭ ‬تاريخي‭ ‬بتحول‭ ‬تاريخي‭ ‬وتوازن‭ ‬كوني‭ ‬وانبثاق‭ ‬نظرية‭ ‬“البجعة‭ ‬السوداء”‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬صحوة‭ ‬شبابية‭ ‬كصدمة‭ ‬الشيوعيين‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬سابقًا،‭ ‬فإن‭ ‬الإنسان‭ ‬منذ‭ ‬الخليقة‭ ‬مهما‭ ‬تم‭ ‬تخديره‭ ‬يجنح‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لحب‭ ‬الحياة،‭ ‬ومواكبة‭ ‬الحضارة‭ ‬والعصر‭ ‬واكتشاف‭ ‬المصالح‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يخفيها‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭. ‬

المارد‭ ‬الشيعي‭ ‬العروبي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الغيبوبة‭ ‬السياسية،‭ ‬وسيبقى‭ ‬محتفظا‭ ‬بحبه‭ ‬لأهل‭ ‬البيت‭ (‬ع‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬سيزيل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬بالعقيدة‭ ‬من‭ ‬أوساخ‭ ‬السياسة،‭ ‬ومصالح‭ ‬برغماتية‭. ‬هذه‭ ‬مرحلة‭ ‬سقوط‭ ‬التمثال‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬عين‭ ‬الشاب‭ ‬الشيعي‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬سقط‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وسقط‭ ‬جدار‭ ‬برلين،‭ ‬وستنتقل‭ ‬العدوى‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭. ‬كما‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬شباب‭ ‬يعشقون‭ ‬الحضارة،‭ ‬ويريدون‭ ‬أن‭ ‬يكملوا‭ ‬جامعتهم‭ ‬ثم‭ ‬يتزوجون،‭ ‬ويعملون‭ ‬ويتجولون‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ويلبسون‭ ‬آنق‭ ‬الثياب‭ ‬محبين‭ ‬لدينهم‭ ‬الوسطي،‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬النجف‭ ‬وقم‭ ‬وبئر‭ ‬العبد‭ ‬والضاحية‭ ‬وجنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬فليس‭ ‬مكتوبا‭ ‬عليهم‭ ‬فقط‭ ‬الاستشهاد‭ ‬والموت‭ ‬ونظرية‭ ‬“القتل‭ ‬لنا‭ ‬عادة”‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬من‭ ‬سياقها‭. ‬من‭ ‬حق‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬الشيعي‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬ويقود‭ ‬أجمل‭ ‬سيارة،‭ ‬ويؤمن‭ ‬مستقبله،‭ ‬ويستعيض‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬“شهادة‭ ‬الوفاة”‭ ‬بالشهادة‭ ‬الجامعية‭.‬

منذ‭ ‬23‭ ‬عاما‭ ‬وأنا‭ ‬أشتغل‭ ‬نقديًا‭ ‬عبر‭ ‬كتابات‭ ‬وحوارات‭ ‬ومحاضرات،‭ ‬لترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الموت‭ ‬وثقافة‭ ‬المباهج‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المسالخ،‭ ‬وثقافة‭ ‬الحدائق‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬المحارق‭ ‬واستبدال‭ ‬الشهادة‭ ‬الجامعية‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الوفاة‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الشباب‭ ‬المسلم‭ ‬خصوصًا‭ ‬الشيعي،‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نشهد‭ ‬بعض‭ ‬الثمار‭. ‬ليس‭ ‬مكتوبا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬المحارق،‭ ‬ودفع‭ ‬الفواتير‭ ‬لسياسات‭ ‬متحولة‭ ‬مكيافيلية‭. ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬عليها‭ ‬احتضان‭ ‬الشيعة‭ ‬العرب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬السابق‭ ‬خصوصًا‭ ‬الشباب‭ ‬المنتفض‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬الغيبوبة‭ ‬واكتشف‭ ‬الآن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمور،‭ ‬بل‭ ‬ودعم‭ ‬ثوراتهم‭ ‬ولو‭ ‬إعلاميًا،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الطائفة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬رؤية‭ ‬حقيقية‭ ‬وإكثار‭ ‬من‭ ‬عودة‭ ‬قوة‭ ‬العرب‭ ‬المغيبة،‭ ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬أن‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬هم‭ ‬مع‭ ‬أوطانهم،‭ ‬والدليل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وإيران‭ ‬والأحواز‭ ‬من‭ ‬تمرد‭. ‬

إنها‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬لاحتضان‭ ‬شباب‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وتقديم‭ ‬خطاب‭ ‬جديد‭ ‬يحمل‭ ‬الحنان‭ ‬الوطني،‭ ‬والانتمائي‭ ‬العروبي‭ ‬والوظيفي‭ ‬ودمجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمعات؛‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يصبحوا‭ ‬لقمة‭ ‬سائغة‭ ‬لدى‭ ‬الغير‭. ‬وما‭ ‬نشهده‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬وشباب‭ ‬يصرخون‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬الاحتكار‭ ‬الحزبي‭ ‬المسيس‭ ‬للبيت‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬خير‭ ‬دليل‭. ‬

في‭ ‬قراءتي‭ ‬لمذكرات‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬سنغافورة،‭ ‬لي‭ ‬كوان‭ ‬يو‭ (‬قصة‭ ‬سنغافورة‭) ‬دار‭ ‬العبيكان،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬أحد‭ ‬أنبياء‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬التي‭ ‬انتهجها‭ ‬في‭ ‬مشروعه‭ ‬القومي‭ ‬لتوحيد‭ ‬سنغافورة‭ ‬ذات‭ ‬الأديان‭ ‬والأعراق‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬مسلمين‭ ‬وهنود‭ ‬وصينيين‭ ‬وملاويين‭ ‬أنه‭ ‬دمجهم‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬القومي‭ ‬لبناء‭ ‬سنغافورة،‭ ‬وشرع‭ ‬قانونا‭ ‬يجرم‭ ‬المساس‭ ‬بالطوائف‭ ‬أو‭ ‬المعتقدات‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نبذ‭ ‬عنصري‭ ‬متبادل،‭ ‬وسعى‭ ‬لدمجهم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعات‭ ‬والاقتصاد‭ ‬بأن‭ ‬الدين‭ ‬لله‭ ‬والوطن‭ ‬للجميع‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نحتاجه‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وأيضًا‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬من‭ ‬إلغاء‭ ‬المحاصصات‭ ‬الطائفية،‭ ‬والاشتغال‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬القومي‭. ‬

لهذا‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الجميلة‭ ‬الحضارية‭ ‬هي‭ ‬زواج‭ ‬العوائل‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المذهب‭ ‬والملتقية‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬والوطن‭. ‬إنه‭ ‬أجمل‭ ‬مثال‭ ‬للسلام‭ ‬الإنساني‭. ‬تزاوجوا‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬ستنتجوا‭ ‬كوكتيلا‭ ‬بشريا‭ ‬يحمل‭ ‬نكهة‭ ‬الحضارة‭.‬