وَخْـزَةُ حُب

اللهاث وراء الجمال!

| د. زهرة حرم

من‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يجذبه‭ ‬الجمال‭ ‬الشكلي،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تهذيب‭ ‬مظهره،‭ ‬والخروج‭ ‬بالشكل‭ ‬اللائق‭ ‬والمحبب‭ ‬إلى‭ ‬النفس‭ ‬والآخرين‭! ‬هذا‭ ‬طبيعي،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬ذلك؛‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬طلب‭ ‬الجمال‭ ‬إلى‭ ‬هوس‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬له‭! ‬فينتهي‭ ‬بنتائج‭ ‬كارثية‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الشكل‭ ‬فقط؛‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬المضمون؛‭ ‬حين‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬الإنسان‭ ‬ويحولها‭ ‬إلى‭ ‬عبد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬استجد‭ ‬من‭ ‬علاجات‭ ‬تجميلية‭ ‬أو‭ ‬صرعات‭ ‬وموضات‭ ‬سوقية‭! ‬

وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬أول‭ ‬الضحايا‭ ‬النساء؛‭ ‬لا‭ ‬لقلة‭ ‬بصيرة‭ ‬أو‭ ‬بصر،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬نفسية،‭ ‬وفطرة‭ ‬إنسانية؛‭ ‬فالمرأة‭ ‬كائن‭ ‬جميل‭ ‬بطبعه،‭ ‬ميّال‭ ‬إلى‭ ‬الجمال‭ ‬وحب‭ ‬الزينة،‭ ‬ولا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأسواق‭ ‬التجارية‭ ‬والصالونات‭ ‬النسائية‭ ‬أو‭ ‬عيادات‭ ‬التجميل‭ ‬الوجهة‭ ‬الأولى‭ ‬لديهن،‭ ‬وهذا‭ ‬مطلوب،‭ ‬وضروري،‭ ‬ومرغوب‭ ‬فيه،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة؛‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬تُفقده‭ ‬أثره‭ ‬المشرق‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬له‭ ‬قيمة‭! ‬هذه‭ ‬قاعدة‭ ‬منطقية،‭ ‬إذ‭ ‬تفسد‭ ‬المقتنيات‭ ‬الجميلة‭ ‬والجيدة؛‭ ‬كثرتها‭ ‬والإسراف‭ ‬فيها؛‭ ‬فتكديس‭ ‬مئات‭ ‬الأثواب‭ ‬الجميلة‭ ‬يجعل‭ ‬منها‭ ‬جميعها‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬النفس،‭ ‬لا‭ ‬تُبهج‭ ‬صاحبها‭ ‬ولا‭ ‬تُحدث‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬فارقًا‭! ‬وقس‭ ‬عليها‭ ‬أي‭ ‬مقتنى‭ ‬مادي،‭ ‬تماما‭ ‬كاللوحة‭ ‬الجيدة‭ ‬على‭ ‬الحائط؛‭ ‬تضيع‭ ‬حين‭ ‬تزاحمها‭ ‬عشرات‭ ‬اللوحات؛‭ ‬لا‭ ‬تقتنصها‭ ‬العين،‭ ‬ولا‭ ‬يلتفت‭ ‬إليها‭ ‬أحد،‭ ‬فتفسد‭ ‬متعتها؛‭ ‬ويضيع‭ ‬مظهرها‭ ‬ومخبرها‭!‬

وما‭ ‬أسوأ‭ ‬اقتفاء‭ ‬الموضات‭ ‬واللهاث‭ ‬خلفها،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الوجه‭ ‬وانتهاء‭ ‬بأخمص‭ ‬القدم،‭ ‬ويتساوى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬مع‭ ‬الفارق‭! ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يتابعون‭ ‬هذه‭ ‬الموضات،‭ ‬بالمليمتر،‭ ‬ولا‭ ‬يحيدون‭ ‬عنها‭ ‬قيد‭ ‬أنملة؛‭ ‬فتراهم‭ ‬في‭ ‬شغل‭ ‬شاغل،‭ ‬يتنقلون‭ ‬بين‭ ‬المحال،‭ ‬وقد‭ ‬يسافرون‭ ‬في‭ ‬طلبها،‭ ‬فإذا‭ ‬انتهت‭ ‬مدتها؛‭ ‬بدأوا‭ ‬بالأشواط‭ ‬الأخرى‭ ‬لما‭ ‬يستجد‭ ‬منها،‭ ‬ولا‭ ‬تنتهي‭ ‬الحكاية‭!‬

والأسوأ‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المال‭ ‬أحيانا‭ ‬سببًا‭ ‬مساعدا‭ ‬لهؤلاء‭! ‬يعينهم‭ ‬على‭ ‬التكديس‭ ‬والرمي،‭ ‬ثم‭ ‬الرمي‭ ‬والتكديس،‭ ‬وهكذا،‭ ‬والجري‭ ‬المتلاحق‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬يظنونه‭ ‬جمالا‭ ‬أو‭ ‬كمالا،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬وصلوا‭ ‬واكتشفوا‭ ‬أنه‭ ‬سراب؛‭ ‬لا‭ ‬تراهم‭ ‬يتوقفون،‭ ‬بل‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬أبواب‭ ‬أخرى؛‭ ‬علّها‭ ‬تفتح‭ ‬لهم‭ ‬مغاليق‭ ‬البهجة‭ ‬الروحية،‭ ‬فإن‭ ‬قنعوا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬جديد‭ ‬مثير،‭ ‬أو‭ ‬جاذب‭ ‬انتهوا‭ ‬إلى‭ ‬اليأس‭ ‬وتلحّفوا‭ ‬بالكآبة‭! ‬إن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الجمال،‭ ‬والسعي‭ ‬إليه‭ ‬–‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬ووسيلة‭ - ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا،‭ ‬فلطالما‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬–‭ ‬عبر‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل‭ - ‬شغوفًا‭ ‬به؛‭ ‬فهو‭ ‬المعادل‭ ‬الحقيقي‭ ‬للشباب،‭ ‬والسعادة،‭ ‬والمتعة،‭ ‬والراحة،‭ ‬وغيابه‭ ‬يعني‭ ‬غياب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجماليات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الإفراط‭ ‬المُسفّ‭ ‬فيه؛‭ ‬يحمل‭ ‬دلالات‭ ‬سلبية؛‭ ‬تشي‭ ‬باهتزاز‭ ‬ثقة‭ ‬أصحابها‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬وبغياب‭ ‬القيم‭ ‬الروحية‭ ‬لصالح‭ ‬المادية‭.. ‬وما‭ ‬أكثر‭ ‬ضحايا‭ ‬الجمال‭ ‬الذين‭ ‬طلبوه‭ ‬فأخطأوه‭!.‬