ريشة في الهواء

فيروس قاتل في جيبك

| أحمد جمعة

الإعلام‭ ‬المظلل‭ ‬الخفي،‭ ‬هو‭ ‬أبرز‭ ‬صرعة‭ ‬وصرخة‭ ‬بذات‭ ‬الوقت،‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الميديا‭ ‬اليوم،‭ ‬يبدو‭ ‬لك‭ ‬ذهبياً‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬ويغريك‭ ‬بركوب‭ ‬موجته‭ ‬الجذابة،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬سيجرفك‭ ‬بطوفانه‭ ‬دون‭ ‬إرادة‭ ‬منك‭ ‬ويزج‭ ‬بك‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬عارمة،‭ ‬أشبه‭ ‬بزلزال‭ ‬يدمر‭ ‬شعبك‭ ‬ووطنك‭ ‬بيدك‭ ‬أنت‭ ‬وحدك،‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام،‭ ‬المستتر،‭ ‬يهدم‭ ‬الأمم‭ ‬ولا‭ ‬تراه،‭ ‬يحرق‭ ‬الشعوب‭ ‬ولا‭ ‬تلمسه،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬له‭ ‬دولة‭ ‬محددة‭ ‬بالذات،‭ ‬ولا‭ ‬وزارة‭ ‬ولا‭ ‬مبنى‭ ‬ولا‭ ‬موقع‭ ‬تلمسه،‭ ‬لا‭ ‬عنوان‭ ‬رسمي‭ ‬ولا‭ ‬تراه‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬لذلك‭ ‬هو‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬وزارات‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمية،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدى‭ ‬محطات‭ ‬وقنوات‭ ‬وإذاعات‭ ‬البث‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تهدر‭ ‬عليها‭ ‬سنوياً‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬والدنانير‭ ‬والريالات‭ ‬والدراهم،‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬يتسلل‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬بيتك‭ ‬ومكتبك‭ ‬ومقهاك‭ ‬وحتى‭ ‬فراشك،‭ ‬يغرس‭ ‬فيك‭ ‬فيروس‭ ‬التدمير‭ ‬ويشكك‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬ومجتمعك‭ ‬وشعبك،‭ ‬ويبدأ‭ ‬بتمزيق‭ ‬وحدتك‭ ‬ويثير‭ ‬فيك‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية،‭ ‬ويجعلك‭ ‬شريراً‭ ‬تصل‭ ‬بك‭ ‬عاطفة‭ ‬الشر‭ ‬لأن‭ ‬تفكر‭ ‬بقتل‭ ‬جارك،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فإنك‭ ‬تروج‭ ‬لهذا‭ ‬الإعلام‭ ‬ويقودك‭ ‬دون‭ ‬إرادة‭ ‬منك،‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬بمن‭ ‬يوجهك‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تستيقظ‭ ‬وتبصر‭ ‬ماذا‭ ‬فعلت‭ ‬بنفسك‭ ‬وبجارك‭.‬

هذا‭ ‬الإعلام‭ ‬مثل‭ ‬حقنة‭ ‬السم،‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬البشرية،‭ ‬يزرع‭ ‬فيك‭ ‬بذور‭ ‬الفتن‭ ‬والشكوك‭ ‬والخوف‭ ‬ويجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬غير‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬خطواته،‭ ‬انظر‭ ‬حولك‭ ‬أيها‭ ‬القارئ،‭ ‬وأنت‭ ‬تقرأ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يأتيك‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وكيف‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحقن‭ ‬المتتالية‭ ‬والجرعات‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭ ‬من‭ ‬سموم‭ ‬بشكل‭ ‬أخبار‭ ‬وشائعات‭ ‬وأفكار‭ ‬وعواطف‭! ‬جمل‭ ‬وعبارات‭ ‬وصور‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مسجات‭ ‬وستيكرات‭ ‬وغيرها‭ ‬تحقنك‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬دقيقة‭ ‬وساعة‭ ‬من‭ ‬يومك،‭ ‬حتى‭ ‬وأنت‭ ‬تضع‭ ‬رأسك‭ ‬على‭ ‬وسادة‭ ‬آخر‭ ‬الليل،‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬تجرع‭ ‬تلك‭ ‬السموم‭ ‬لتبدأ‭ ‬نهارك‭ ‬وقد‭ ‬تفاعلت‭ ‬تلك‭ ‬الجرعات‭ ‬بداخلك‭ ‬وبدأت‭ ‬تؤتي‭ ‬مفعولها‭ ‬لتحويلك‭ ‬لكائن‭ ‬مسلوب‭ ‬الإرادة،‭ ‬لا‭ ‬فكرة‭ ‬لديك‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬ولا‭ ‬حرية‭ ‬ولا‭ ‬وعي‭ ‬بنفسك،‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬بحرية‭ ‬وتختار‭ ‬بوعي‭ ‬وتفهم‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حولك‭ ‬لأنك‭ ‬أضحيت‭ ‬أسير‭ ‬تلك‭ ‬الحقن‭ ‬ومقيدا‭ ‬لوحش‭ ‬أكبر‭ ‬منك،‭ ‬سلب‭ ‬حريتك‭ ‬وجعلك‭ ‬تتصرف‭ ‬بإرادته‭ ‬وأنت‭ ‬مصدق‭ ‬أنك‭ ‬تتصرف‭ ‬بحريتك‭. ‬هذه‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬زرعه‭ ‬فيك‭ ‬الإعلام‭ ‬السري‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أقوى‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬عدو‭ ‬غير‭ ‬مرئي‭ ‬لتحاربه‭.‬

والآن‭ ‬حان‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الإعلام،‭ ‬المظلل،‭ ‬إنك‭ ‬تحمله‭ ‬معك‭ ‬طوال‭ ‬يومك‭ ‬وربما‭ ‬ينام‭ ‬معك‭ ‬في‭ ‬فراشك‭ ‬وتبذل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعك‭ ‬لحمايته‭ ‬وأنت‭ ‬لا‭ ‬تفطن‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬يدمرك،‭ ‬إنه‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬هاتفك‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬تبث‭ ‬الحكومات‭ ‬والشركات‭ ‬والأفراد‭ ‬فيروساتهم‭ ‬إليك‭ ‬فيما‭ ‬أنت‭ ‬تتغذى‭ ‬منها‭ ‬معتقداً‭ ‬أنك‭ ‬حر‭.‬

 

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬تأمن‭ ‬أقرب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لأنك‭ ‬تحبه‭ ‬فقط‭.‬