العقوبات البديلة...

| عباس العماني

قلة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬اتّجهت‭ ‬لتطبيق‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬عالميًا‭ ‬بـ‭ ‬“العقوبة‭ ‬البديلة”،‭ ‬وهي‭ ‬عقوبة‭ ‬تُطبّق‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭ ‬السالبة‭ ‬للحريّة،‭ ‬أو‭ ‬تخفيفا‭ ‬لها،‭ ‬مقابل‭ ‬إلزام‭ ‬الجاني‭ ‬بأعمالٍ‭ ‬أو‭ ‬تعهّدات‭ ‬محددّة‭ ‬بحسب‭ ‬طبيعة‭ ‬ونوع‭ ‬الجرم‭.‬

البحرين‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬حسمت‭ ‬أمرها‭ ‬قبل‭ ‬سنتين‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬تلك‭ ‬العقوبة‭ ‬حين‭ ‬أحالت‭ ‬الحكومة‭ ‬قانونًا‭ ‬شاملًا‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد،‭ ‬وبعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬من‭ ‬تطبيقه،‭ ‬كشف‭ ‬لنا‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬استفادة‭ ‬1022‭ ‬محكوما‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العقوبة،‭ ‬موجهاً‭ ‬دعوة‭ ‬للشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬التطبيق،‭ ‬وهو‭ ‬توجّه‭ ‬نباركه‭ ‬وندعمه،‭ ‬ونحثّ‭ ‬على‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬خطواته‭.‬

هذا‭ ‬العدد،‭ ‬ليس‭ ‬قليلا‭ ‬على‭ ‬بلدٍ‭ ‬صغير‭ ‬كالبحرين،‭ ‬سيما‭ ‬ونحن‭ ‬نتحدّث‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬التطبيق،‭ ‬وعن‭ ‬فترة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬السنتين،‭ ‬لكن‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬إمكانية‭ ‬أكبر‭ ‬لمض‭ ‬اعفة‭ ‬هذا‭ ‬العدد،‭ ‬ليس‭ ‬لمجرّد‭ ‬المضاعفة‭ ‬أو‭ ‬لتسجيل‭ ‬رقمٍ‭ ‬جديد‭ ‬للتباهي‭ ‬الإعلامي،‭ ‬ولكن‭ ‬بغية‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬المتطوّر،‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التوجيه‭ ‬الأخير‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬دور‭ ‬الانعقاد‭ ‬الجديد‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬وجّه‭ ‬جلالته‭ ‬بضرورة‭ ‬تعاون‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة،‭ ‬وقال‭ ‬نصاً‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬“يهدف‭ ‬إلى‭ ‬مراعاة‭ ‬ظروف‭ ‬المحكومين‭ ‬بمنحهم‭ ‬سبل‭ ‬استئناف‭ ‬دورهم‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬المجتمع”‭.‬

هذه‭ ‬العبارة‭ ‬تحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المضامين‭ ‬الإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬ترجمتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بإنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬فجلالته‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أهداف‭ ‬القانون‭ ‬هو‭ ‬“منح‭ ‬السجناء‭ ‬الفرصة‭ ‬لممارسة‭ ‬دور‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬المجتمع”‭.‬

نقدّر‭ ‬الجهود‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تُبذل‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬ووزارة‭ ‬العدل‭ ‬لتطبيق‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬المهم،‭ ‬ونتطلع‭ ‬إلى‭ ‬تركيز‭ ‬أكبر‭ ‬للعقوبة‭ ‬الأولى‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬7‭ ‬عقوبات‭ - ‬والتي‭ ‬نصّ‭ ‬عليها‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬البحريني‭ ‬“العمل‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬المجتمع”،‭ ‬وهي‭ ‬العقوبة‭ ‬التي‭ ‬استعاضت‭ ‬بها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬عن‭ ‬“السجن”،‭ ‬وجعلتها‭ ‬في‭ ‬سلّم‭ ‬أولوياتها‭ ‬لما‭ ‬وجدت‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬منفعةٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬وأثر‭ ‬إيجابي‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬المحكوم،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬العقوبة‭ ‬استثمارا‭ ‬حقيقيا‭ ‬للمواهب‭ ‬والإمكانيات،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قارنّاها‭ ‬بعقوبات‭ ‬أخرى،‭ ‬كالـ‭ ‬“الإقامة‭ ‬الجبرية،‭ ‬السوار‭ ‬الإلكتروني”،‭ ‬وبالتالي‭ ‬منفعة‭ ‬مشتركة‭ ‬وفائدة‭ ‬للدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬والمحكومين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬