ستة على ستة

سلام الصواريخ

| عطا السيد الشعراوي

كعادتها‭ ‬دائما،‭ ‬قدمت‭ ‬لنا‭ ‬إيران‭ ‬نموذجا‭ ‬جديدا‭ ‬وعجيبا‭ ‬لسلام‭ ‬صنعته‭ ‬في‭ ‬مخيلتها‭ ‬وظنت‭ ‬أنه‭ ‬رؤية‭ ‬عصرية‭ ‬لأمن‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكأنها‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬أنها‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬لتهديد‭ ‬هذا‭ ‬الأمن،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬للمنطقة‭ ‬يتوقف‭ ‬على‭ ‬سلوكها‭ ‬هي‭ ‬وليس‭ ‬سلوك‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬

هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬“سلام‭ ‬الصواريخ”،‭ ‬إذ‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬عباس‭ ‬موسوي،‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬أرسل‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬والعراق‭ ‬النص‭ ‬الكامل‭ ‬لمبادرة‭ (‬هرمز‭ ‬السلام‭) ‬الخاصة‭ ‬بتأمين‭ ‬الملاحة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وطلب‭ ‬التعاون‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيقها‭ ‬وتطبيقها،‭ ‬أعلن‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬حسين‭ ‬سلامي‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬النظام‭ ‬مخزوناً‭ ‬صاروخياً‭ ‬زائداً‭ ‬عن‭ ‬الحد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلا‭ ‬عن‭ ‬دلالات‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬وتوقيته،‭ ‬وهل‭ ‬تريد‭ ‬طهران‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬أنها‭ ‬بهذا‭ ‬المخزون‭ ‬الهائل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬بما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬صواريخ‭ ‬تكون‭ ‬بديلة‭ ‬عما‭ ‬تسميه‭ (‬وترفضه‭) ‬في‭ ‬مبادرتها‭ ‬بتدخل‭ ‬أجنبي‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬كذلك،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تستغل‭ ‬إيران‭ ‬هذا‭ ‬المخزون‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف،‭ ‬بل‭ ‬لماذا‭ ‬صرفت‭ ‬جزءًا‭ ‬يعتد‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المخزون‭ ‬على‭ ‬ميليشيات‭ ‬إرهابية‭ ‬كالحوثيين‭ ‬وحزب‭ ‬الله‭ ‬لإثارة‭ ‬القلاقل‭ ‬والأزمات‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬طرفا‭ ‬مهدئا‭ ‬للأزمات‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فتيل‭ ‬اشتعالها‭ ‬واستمرارها‭.‬

لذا،‭ ‬فإن‭ ‬الأقرب‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬هذا‭ ‬التزامن‭ ‬بين‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬مبادرة‭ ‬للسلام،‭ ‬وبين‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬وتفتخر‭ ‬بأن‭ ‬لديها‭ ‬صواريخ‭ ‬زائدة‭ ‬عن‭ ‬الحد،‭ ‬أنه‭ ‬بمثابة‭ ‬تحذير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الضغط‭ ‬للقبول‭ ‬بمبادرة‭ ‬تفتقر‭ ‬لكل‭ ‬مقومات‭ ‬النجاح‭ ‬والتنفيذ،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الغياب‭ ‬الكامل‭ ‬للثقة‭ ‬في‭ ‬حامل‭ ‬المبادرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬المعنية‭ ‬بها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المشاهد‭ ‬العملية‭ ‬والممارسات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتواصلة‭ ‬والتي‭ ‬تتضح‭ ‬ملامحها‭ ‬وتظهر‭ ‬مخاطرها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬المنطقة‭ ‬والتي‭ ‬انتفض‭ ‬ضدها‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬بكل‭ ‬أطيافه‭ ‬وتلاه‭ ‬أيضًا‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬بجميع‭ ‬مكوناته‭ ‬ليعبرا‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭ ‬المعيشية‭ ‬الكارثية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬والرغبة‭ ‬والإصرار‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬والفكاك‭ ‬من‭ ‬قيودها‭ ‬وبطشها‭.‬