الشراكة الحكومية مع القطاع الخاص (2-4)

| أحمد السليمان

مبادرات‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬لدعوة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬ليضطلع‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬الحكومة‭ ‬لتأمين‭ ‬توفير‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬بسعر‭ ‬وطريقة‭ ‬ملائمة‭ ‬للجمهور‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬بل‭ ‬قديمة‭ ‬جدًا‭ ‬وأخذت‭ ‬أشكالًا‭ ‬كثيرة،‭ ‬كانت‭ ‬بدائية‭ ‬ثم‭ ‬تطورت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬وأخذت‭ ‬أنماطًا‭ ‬متنوعة‭ ‬تبعا‭ ‬لشكل‭ ‬وحجم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ودرجة‭ ‬تطور‭ ‬المجتمع‭.‬

المبادرة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬القطاعين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بخطوات‭ ‬عدة؛‭ ‬بهدف‭ ‬تهيئة‭ ‬المناخ‭ ‬لتكوين‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬

أولًا‭: ‬مساعدة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قدراته‭ ‬سواء‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬منها‭ ‬بالكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬بمختلف‭ ‬المراتب،‭ ‬أو‭ ‬تبني‭ ‬أفضل‭ ‬الممارسات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قطاعات‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات،‭ ‬وتشريع‭ ‬قوانين‭ ‬تؤكد‭ ‬وتعزز‭ ‬النزاهة‭ ‬والشفافية،‭ ‬انتهاءً‭ ‬باقتناء‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬واستخدامها‭ ‬بشكل‭ ‬مفيد‭.‬

ثانيًا‭: ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬المميزات‭ ‬التنافسية‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بشكل‭ ‬مكثف‭ ‬في‭ ‬القطاعات‭ ‬والأنشطة‭ ‬التي‭ ‬ترغب‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬إشراك‭/‬‏‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬التمهيد‭ ‬للهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحليل‭ ‬قدرات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الميادين‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬وحل‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬عمليات‭ ‬التطوير‭ ‬وقياس‭ ‬مدى‭ ‬قدرة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الفجوة‭ ‬أو‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬الحكومة‭. ‬

ثالثا‭: ‬بعد‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬بطريقة‭ ‬ملائمة‭ ‬لكل‭ ‬الأطراف‭ ‬ومجدية‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬تبدأ‭ ‬الحكومة‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬إحلال‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬محلها‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭.‬

النتيجة‭ ‬النهائية‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬هي‭ ‬تأسيس‭ ‬قطاع‭ ‬خاص‭ ‬قوي‭ ‬ومؤهل،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬النمو‭ ‬والتأقلم‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭ ‬واقتناص‭ ‬الفرص‭ ‬لمصلحته،‭ ‬وإحدى‭ ‬هذه‭ ‬الفرص‭ ‬هي‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الحكومي‭.‬

التجارب‭ ‬التي‭ ‬ممكن‭ ‬أن‭ ‬نسوقها،‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬كثيرة‭ ‬وتبعث‭ ‬على‭ ‬الفخر‭ ‬وإن‭ ‬رافقها‭ ‬بعض‭ ‬العثرات،‭ ‬فمن‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬لا‭ ‬يخطئ‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تحرر‭ ‬قطاع‭ ‬المواصلات‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الإدارة‭ ‬الحكومية‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬بريطانيا‭ ‬الثاتشرية،‭ ‬إذ‭ ‬قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬بتأهيل‭ ‬ذلك‭ ‬القطاع؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خصخصته‭ ‬وإسناد‭ ‬إدارته‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭. ‬البداية‭ ‬كانت‭ ‬صعبة،‭ ‬والعصي‭ ‬التي‭ ‬عرقلة‭ ‬حركة‭ ‬دواليب‭ ‬المشروع‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬وصلبة‭. ‬ولكن‭ ‬إرادة‭ ‬الحكومة‭ ‬ورشدها‭ ‬كانا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬العقبات‭. ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬الاعتصامات‭ ‬والإضرابات‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬البريطانية‭ ‬أو‭ ‬القطارات‭ ‬التي‭ ‬تجوب‭ ‬التراب‭ ‬البريطاني‭ ‬للمطالبة‭ ‬بإقرار‭ ‬مزايا‭ ‬أكبر‭ ‬للعاملين‭ ‬ونيل‭ ‬مقدار‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الحقوق،‭ ‬ولكن‭ ‬المقارنة‭ ‬الإجمالية‭ ‬بين‭ ‬السيناريو‭ ‬الجديد‭ (‬الخصخصة‭) ‬والسيناريو‭ ‬القديم‭ (‬الإدارة‭ ‬الحكومية‭) ‬تظهر‭ ‬مقدارا‭ ‬مبهرا‭ ‬من‭ ‬النجاح‭.‬