ريشة في الهواء

نجاح وفشل إيران!

| أحمد جمعة

قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬نجحت‭ ‬إيران‭ ‬بتفكيك‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬شيعة‭ ‬وسنة،‭ ‬بل‭ ‬بلغ‭ ‬الخبث‭ ‬الانشقاقي‭ ‬لتقسيم‭ ‬الشيعة‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬شيعة‭ ‬عرب‭ ‬وشيعة‭ ‬فرس،‭ ‬شيعة‭ ‬موالين‭ ‬وشيعة‭ ‬ثوريين،‭ ‬ثم‭ ‬قسمت‭ ‬السنة‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬موالين‭ ‬وسنة‭ ‬منتفضين،‭ ‬لذلك‭ ‬ذهبت‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬القاعدة،‭ ‬واحتضنتها‭ ‬واستقبلت‭ ‬جماعة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬في‭ ‬أراضيها،‭ ‬ولم‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬قسمت‭ ‬شعوب‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬ميليشيات‭ ‬تابعة‭ ‬لها‭ ‬لتكون‭ ‬حاضنة‭ ‬للنظام‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬شعبي،‭ ‬كما‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وما‭ ‬سمي‭ ‬بالحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬بالعراق،‭ ‬ثم‭ ‬جماعة‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭ ‬باليمن،‭ ‬وهكذا‭ ‬تمكنت‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬العرب‭ ‬وتهتك‭ ‬أغلب‭ ‬أنظمتهم‭ ‬بفضل‭ ‬مشروع‭ ‬ربيع‭ ‬الدم‭ ‬الدمر،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬سهل‭ ‬اختراق‭ ‬إيران‭ ‬ليس‭ ‬للنظام‭ ‬العربي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وتقسيمها‭ ‬مثلما‭ ‬فعلت‭ ‬بالبحرين،‭ ‬فزرعت‭ ‬الفتنة‭ ‬وروجت‭ ‬للمشاريع‭ ‬التخريبية‭ ‬وسهلت‭ ‬ضرب‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الواحد‭. ‬وما‭ ‬جعل‭ ‬إيران‭ ‬للأسف‭ ‬تنجح‭ ‬بكل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬وتمزقهم،‭ ‬وغياب‭ ‬الوعي‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬وضعف‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬بسبب‭ ‬تفتيتها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الغرب‭.‬

بعد‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬من‭ ‬الاختراق‭ ‬الإيراني‭ ‬للعرب،‭ ‬وبعد‭ ‬سلسلة‭ ‬حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬ومسيرة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬انقسام‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬بين‭ ‬سني‭ ‬وشيعي،‭ ‬فجأة‭ ‬وفي‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يرحم،‭ ‬انفجرت‭ ‬المجرة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وانكشف‭ ‬ما‭ ‬بداخلها‭ ‬من‭ ‬خواء‭ ‬وضياع‭ ‬ومتاهة،‭ ‬فخرجت‭ ‬شعوب‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق،‭ ‬ونفضت‭ ‬عنها‭ ‬ضباب‭ ‬الأمس‭ ‬وأيقنت‭ ‬أن‭ ‬حياتها‭ ‬ومستقبلها‭ ‬ونهوضها‭ ‬واستعادة‭ ‬مجدها‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أبنائها،‭ ‬وأدركت،‭ ‬أن‭ ‬الحلم‭ ‬الإيراني‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬وهماً‭ ‬صنع‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬تسيطر‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بتمزيق‭ ‬وحدتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وللمفارقة‭ ‬التاريخية،‭ ‬انه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نجحت‭ ‬إيران‭ ‬بالماضي‭ ‬بتفكيك‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬فشلت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬واستيقظ‭ ‬المارد‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬نبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬والمذهبية‭ ‬وتحدث‭ ‬بلسان‭ ‬عربي‭ ‬فصيح‭: ‬لا‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والعراق،‭ ‬ونضيف‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬ترزح‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإيراني‭ ‬والتركي‭ ‬والأميركي‭ ‬والروسي،‭ ‬وهذه‭ ‬رواية‭ ‬مختلفة‭ ‬سيأتي‭ ‬التاريخ‭ ‬عليها‭ ‬لاحقاً‭ ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬أضاع‭ ‬سوريا‭ ‬هم‭ ‬العرب‭ ‬حينما‭ ‬سلموها‭ ‬للإيراني‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد‭.‬

مختصر‭ ‬الكلام‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬ربحت‭ ‬بالماضي،‭ ‬خسرت‭ ‬مؤخراً‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ربحته،‭ ‬بل‭ ‬وزيد‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخسارة‭ ‬مرشحة‭ ‬لتمتد‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬سيثور‭ ‬على‭ ‬نظامه‭ ‬حينما‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الإفلاس‭ ‬والحصار‭ ‬والفقر‭ ‬والعزلة‭ ‬الإيرانية‭ ‬سببها‭ ‬نظام‭ ‬غامر‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭ ‬بسبب‭ ‬حلم‭ ‬فارسي‭ ‬قديم‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحان‭ ‬الوقت‭ ‬ليخسر‭ ‬ما‭ ‬راهن‭ ‬عليه‭.‬

تنويرة‭: ‬

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬أذكى‭ ‬من‭ ‬رؤسائك‭ ‬ولكنك‭ ‬لا‭ ‬تصدق‭ ‬نفسك‭!.‬