ريشة في الهواء

من يتعظ مما يحدث اليوم؟

| أحمد جمعة

قبل‭ ‬الحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬حذر‭ ‬حينها‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه،‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬ونبه‭ ‬أولئك‭ ‬المبعوثين‭ ‬الدوليين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يجوبون‭ ‬المنطقة‭ ‬ويروجون‭ ‬للحرب‭ ‬ويحشدون‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ونتائجها‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وشعبه‭ ‬وعلى‭ ‬المنطقة‭ ‬برمتها،‭ ‬لكن‭ ‬الحرب‭ ‬وقعت‭ ‬لأن‭ ‬الكبار‭ ‬أرادوها‭ ‬ولأن‭ ‬الصغار‭ ‬تقبلوها‭ ‬بل‭ ‬بعضهم‭ ‬شارك‭ ‬فيها،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬واضحة‭ ‬وكانت‭ ‬طبقة‭ ‬ضبابية‭ ‬تغلف‭ ‬المشروع‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬باسم‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬وأول‭ ‬من‭ ‬صفق‭ ‬لهذا‭ ‬المشروع‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وحتى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬ثار‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬هناك،‭ ‬كان‭ ‬يومها‭ ‬يحتفل‭ ‬بإسقاط‭ ‬نظام‭ ‬العراق‭ ‬العربي‭ ‬وإحلال‭ ‬النظام‭ ‬الولائي،‭ ‬والجميع‭ ‬تغطي‭ ‬رؤيته‭ ‬تلك‭ ‬الستارة‭ ‬الضبابية‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬انتفض‭ ‬فيها‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭ ‬فأسقطت‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الملالي‭ ‬هناك‭.‬

المغزى‭ ‬من‭ ‬سرد‭ ‬الأحداث،‭ ‬أنه‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننتبه‭ ‬ونستيقظ‭ ‬للمشاريع‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬البحار‭ ‬والحدود،‭ ‬وأن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬الراعي‭ ‬الأميركي‭ ‬والأوروبي‭ ‬مهما‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬مشاريع‭ ‬براقة‭ ‬ومهما‭ ‬برز‭ ‬بوجه‭ ‬ناصع‭ ‬يحمل‭ ‬الخير،‭ ‬فإن‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬بذرة‭ ‬شر‭ ‬سوف‭ ‬تنبت‭ ‬مثل‭ ‬الفقع‭ ‬في‭ ‬التربة‭ ‬العربية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬برز‭ ‬واضحاً‭ ‬مؤخراً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬حطمت‭ ‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وبقية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬التمزيق‭ ‬والتفتيت‭ ‬وأضاعت‭ ‬كياناتها‭.‬

المغزى‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬ألا‭ ‬تُخْدع‭ ‬الشعوب‭ ‬بمنطق‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬يسوق‭ ‬للمشاريع‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬ويبرز‭ ‬بجلد‭ ‬الحمل‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬لنا‭ ‬تلك‭ ‬المشاريع‭ ‬وكأنه‭ ‬حامي‭ ‬الديار‭ ‬والخائف‭ ‬على‭ ‬مصالحنا،‭ ‬فهذا‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬أوقع‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬في‭ ‬حبائل‭ ‬التفكيك‭ ‬والتمزيق،‭ ‬وسلم‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬للخراب‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمليشيات،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬يتآمر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ويرفض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنه‭ ‬سبب‭ ‬الخراب،‭ ‬فتصريحات‭ ‬زعماء‭ ‬الغرب‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬نفاق‭ ‬وكذب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬استقرار‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ويرفضون‭ ‬بالوقت‭ ‬ذاته‭ ‬مساعدة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬نفقها‭ ‬المظلم،‭ ‬فليبيا‭ ‬التي‭ ‬تمزقها‭ ‬المليشيات‭ ‬الإخوانية‭ ‬وتحتلها‭ ‬العصابات،‭ ‬يقف‭ ‬هذا‭ ‬الغرب‭ ‬بوجه‭ ‬الجيش‭ ‬الليبي‭ ‬ويرفض‭ ‬تسليح‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬للتصدي‭ ‬للمليشيات،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬تصبح‭ ‬ليبيا‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬ثرواتها‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬يسيل‭ ‬لها‭ ‬لعاب‭ ‬الغرب،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مصالحها‭ ‬من‭ ‬بقاء‭ ‬العراق‭ ‬غير‭ ‬مستقر‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬نمر‭ ‬به‭ ‬اليوم،‭ ‬سبق‭ ‬وحذر‭ ‬منه‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائنا‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يستمع‭ ‬ومن‭ ‬ينتبه؟‭ ‬ومن‭ ‬يتعظ؟‭.‬

 

تنويرة‭:

‬السباق‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئا،‭ ‬لا‭ ‬تراهن‭ ‬عليه‭.‬