الروتين الحميد لهاروكي موراكامي

| أميرة صليبيخ

يستيقظ‭ ‬لحظة‭ ‬استيقاظ‭ ‬الشمس‭ ‬عند‭ ‬الساعة‭ ‬الرابعة‭ ‬فجرا،‭ ‬ثم‭ ‬يقوم‭ ‬بالجري‭ ‬لمسافة‭ ‬5‭ ‬أميال‭ ‬دون‭ ‬توقف،‭ ‬يأخذ‭ ‬حماما‭ ‬ساخنا‭ ‬ثم‭ ‬يجلس‭ ‬لمواجهة‭ ‬شاشة‭ ‬كمبيوتره‭ ‬المحمول‭ ‬للكتابة‭ ‬طوال‭ ‬ساعات‭ ‬الصباح،‭ ‬يسأل‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬سؤالاً‭ ‬واحداً‭ ‬فقط‭ (‬ترى‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سأكتبه‭ ‬اليوم؟‭) ‬والمدهش‭ ‬أن‭ ‬إجابة‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬نتجت‭ ‬عنها‭ ‬مجموعة‭ ‬روايات‭ ‬رشحته‭ ‬لجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للأدب‭ ‬لعدة‭ ‬مرات‭.‬

يلتزم‭ ‬الروائي‭ ‬الياباني‭ ‬هاروكي‭ ‬موراكامي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أعظم‭ ‬الروائيين‭ ‬الأحياء‭ ‬بهذا‭ ‬النمط‭ ‬الصباحي‭ ‬بكل‭ ‬إخلاص‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬فهذا‭ ‬الروتين‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬مكنه‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬وفق‭ ‬نظام‭ ‬موحد‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬بأفضل‭ ‬طريقة‭ ‬مع‭ ‬قوة‭ ‬خياله‭ ‬حتى‭ ‬يقتنص‭ ‬منها‭ ‬القصص‭ ‬الفانتازية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يجاريها‭ ‬أي‭ ‬كاتب‭ ‬آخر‭.‬

يؤمن‭ ‬موراكامي‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬المنظمة‭ ‬امتداد‭ ‬أصيل‭ ‬للحياة‭ ‬الجيدة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنه‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الروتين‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬زوجته،‭ ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬نجاحه،‭ ‬فلولا‭ ‬هذا‭ ‬الروتين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سيستطيع‭ ‬الاستمرار‭ ‬بالكتابة‭ ‬بهذه‭ ‬اللياقة‭ ‬والحضور‭ ‬الذهني‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬السبعين‭ ‬من‭ ‬العمر‭.‬

‭ ‬يحاول‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الاقتداء‭ ‬بهاروكي‭ ‬والالتزام‭ ‬بروتينه،‭ ‬لكن‭ ‬اختلاف‭ ‬الفهم‭ ‬لمعنى‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬سبب‭ ‬لبساً‭ ‬لدى‭ ‬البعض‭ ‬ومنحهم‭ ‬إيحاء‭ ‬سلبيا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فعل‭ ‬منبوذ‭ ‬لأن‭ ‬جوهره‭ ‬يوحي‭ ‬بالملل‭ ‬والرتابة‭ ‬وعليهم‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنه‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭.‬

إن‭ ‬أغلب‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬التزموا‭ ‬بروتين‭ ‬واضح‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬اللحاق‭ ‬بأحلامهم،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬الظروف‭ ‬تسيرهم‭ ‬كيفما‭ ‬اتفق‭ ‬وغرقوا‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الحياة‭ ‬المتسارعة،‭ ‬فاقدين‭ ‬بوصلة‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬لحياتهم‭.‬

إن‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬الروتين‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬وتنظيم‭ ‬العقل‭ ‬المرهق‭ ‬بالمهام،‭ ‬فلو‭ ‬حددت‭ ‬يومك‭ ‬مسبقا‭ ‬كما‭ ‬تحب‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬تلمس‭ ‬النتائج‭ ‬الباهرة‭ ‬قريباً‭. ‬لم‭ ‬لا‭ ‬تجرب‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬اليوم؟‭.‬