طهران مطوَّقة بثورة لبنان وانتفاضة العراق وصفقة سوريا وتطوّرات اليمن (1)

| راغدة درغام

تُطوَّق‭ ‬مشاريع‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬لدرجة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬قادتها‭ ‬يخافون،‭ ‬ويخافون‭ ‬كثيراً‭. ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬تم‭ ‬تطويق‭ ‬المشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬عبر‭ ‬صفقة‭ ‬أميركية‭ ‬–‭ ‬تركية‭ ‬–‭ ‬غمزت‭ ‬روسيا‭ ‬موافِقةً‭ ‬عليها‭ ‬–‭ ‬أدّت‭ ‬عملياً‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الممر‭ ‬الذي‭ ‬أرادته‭ ‬طهران‭ ‬أساساً‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الهلال‭ ‬الفارسي‭ ‬الذي‭ ‬يربطها‭ ‬بالبحر‭ ‬المتوسط‭ ‬عبر‭ ‬الامتداد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭. ‬في‭ ‬العراق‭ ‬هناك‭ ‬نقمة‭ ‬شيعية‭ ‬على‭ ‬تمادي‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وصلت‭ ‬درجة‭ ‬رفع‭ ‬شعارات‭ ‬“إيران‭ ‬برّا،‭ ‬برّا”‭ ‬واجهها‭ ‬بلطجيّة‭ ‬“الحشد‭ ‬الشعبي”‭ - ‬المدعومون‭ ‬من‭ ‬“الحرس‭ ‬الثوري”‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬–‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬المتظاهرين‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬كربلاء،‭ ‬عقر‭ ‬دار‭ ‬علماء‭ ‬شيعة‭ ‬العراق‭. ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬سقط‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬وسقطت‭ ‬حكومته‭ ‬–‭ ‬حكومة‭ ‬التسوية‭ ‬–‭ ‬وسقط‭ ‬إصبع‭ ‬التهديد‭ ‬الشهير‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يهزّه‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله،‭ ‬لحشد‭ ‬الانصياع‭ ‬له‭ ‬والرعب‭ ‬منه‭. ‬فارتجفت‭ ‬طهران،‭ ‬ثم‭ ‬زاد‭ ‬اليمن‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬المأزق‭ ‬الإيراني‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬التوسّع‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬الذي‭ ‬تعتمده‭ ‬أركان‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬أساساً‭ ‬لمنطق‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬استراتيجية‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬اليمن‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬بدأت‭ ‬تثمر‭ ‬وبات‭ ‬أمام‭ ‬الحوثيين‭ ‬خيار‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متاحاً‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬عبر‭ ‬الفيدرالية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التشوّق‭ ‬إلى‭ ‬طهران‭ ‬عبر‭ ‬حرب‭ ‬بائسة‭ ‬وأموال‭ ‬جفّت‭ ‬بسبب‭ ‬العقوبات‭ ‬الأميركية‭.‬

ماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬القيادات‭ ‬الإيرانية‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬التطويق؟‭ ‬ليس‭ ‬معروفاً،‭ ‬لكن‭ ‬خياراتها‭ ‬صعبة‭ ‬إذا‭ ‬أصرّت‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬تعديل‭ ‬وتطويع‭ ‬وإصلاح‭ ‬منطق‭ ‬النظام‭ ‬التوسّعي،‭ ‬ولعلّ‭ ‬ما‭ ‬تبقّى‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬القيادات‭ ‬هو‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬حصول‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ولاية‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية،‭ ‬وهذا‭ ‬فعلاً‭ ‬بات‭ ‬وارداً‭ ‬الآن‭ ‬بسبب‭ ‬استفحال‭ ‬الاعتباطيّة‭ ‬لدى‭ ‬ترامب،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نفاذ‭ ‬صبر‭ ‬الأكثرية‭ ‬الأميركية‭ ‬سيما‭ ‬أمام‭ ‬استهتاره‭ ‬بقواعد‭ ‬الحكم‭ ‬والدستور‭ ‬الأميركي،‭ ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ولاية‭ ‬ثانية،‭ ‬فقد‭ ‬وضعت‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬سياسة‭ ‬واضحة‭ ‬نحو‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬قوامها‭ ‬الردع‭ ‬عسكرياً‭ ‬detterrance،‭ ‬وممارسة‭ ‬أقصى‭ ‬الضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬عبر‭ ‬العقوبات،‭ ‬والتأهب‭ ‬لإجراءات‭ ‬إذا‭ ‬اقتضت‭ ‬الضرورة،‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬الانجرار‭ ‬إلى‭ ‬الحرب‭. ‬هذه‭ ‬سياسة‭ ‬ستبقى‭ ‬ثابتة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتحرّش‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬أذرعتها‭ ‬بالقوات‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬فتستدرج‭ ‬الرد‭ ‬عليها‭ ‬عسكرياً،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬تنفّذ‭ ‬توعّداتها‭ ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬منع‭ ‬انتشار‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬NPT،‭ ‬فتواجه‭ ‬إجراءات‭ ‬نوعية،‭ ‬هذه‭ ‬سياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬وليست‭ ‬مجرد‭ ‬سياسة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭. ‬“إيلاف”‭.‬