الشراكة الحكومية مع “الخاص” (1-4)

| أحمد السليمان

بقي‭ ‬موضوع‭ ‬احتكار‭ ‬الأجهزة‭ ‬الحكومية‭ ‬لتقديم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬للجمهور‭ ‬محفورًا‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أدركنا‭ ‬وجودنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬ترسّخ‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الباطن‭ ‬لكل‭ ‬منا‭. ‬ولكن،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬كما‭ ‬كان‭. ‬فأصبحنا‭ ‬نسمع‭ ‬ونرى‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نماذج‭ ‬ناجحة‭ ‬تروي‭ ‬قصص‭ ‬شراكة‭ ‬حقيقية‭ ‬استطاع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إزاحة‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المسئوليات‭ ‬عن‭ ‬كاهل‭ ‬الحكومة‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬أعتقد‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا‭ ‬كمستهلكين‭ (‬أو‭ ‬متلقين‭ ‬للخدمة‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬كجهات‭ ‬حكومية‭ ‬عكفت‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬الجمهور،‭ ‬أو‭ ‬كمؤسسات‭ ‬مدنية‭ ‬راقبت‭ ‬أو‭ ‬نظمت‭ ‬العملية،‭ ‬أو‭ ‬كجهات‭ ‬تنظيمية‭ ‬وضعت‭ ‬الأطر‭ ‬العامة‭ ‬لتقديم‭ ‬تلك‭ ‬الخدمات‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬التغيير‭ ‬الحاصل‭ ‬بشكل‭ ‬سليم‭. ‬

‭ ‬هذا‭ ‬الاستيعاب‭ ‬يستوجب‭ ‬تمحيص‭ ‬الوضع‭ ‬التاريخي‭ ‬وظروفه‭ ‬ونتائجه،‭ ‬كما‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬دواعي‭ ‬التغيير‭ ‬ومنافعه‭ ‬وتدرجه‭ ‬والغاية‭ ‬النهائية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭. ‬

‭ ‬لقد‭ ‬تغيّرت‭ ‬ممارسات‭ ‬إدارة‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬جدًّا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتغيّرت‭ ‬معها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المشاهد‭ ‬والمسئوليات‭ ‬وكذلك‭ ‬المسلمات‭. ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬تمامًا،‭ ‬والمخاطر‭ ‬محسوبة‭ ‬بدقّة،‭ ‬والنتائج‭ ‬ماثلة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.  ‬فالواحد‭ ‬منا‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محاطًا‭ ‬بالأجواء‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬توجدها‭ ‬وتديرها‭ ‬الحكومة‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬الذي‭ ‬يولد‭ ‬فيه،‭ ‬مرورًا‭ ‬بالمواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والدوائية‭ ‬التي‭ ‬يستهلكها،‭ ‬والمدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬التي‭ ‬يتربى‭ ‬ويتعلم‭ ‬فيها،‭ ‬والوظيفة‭ ‬التي‭ ‬يشغلها،‭ ‬والسكن‭ ‬الذي‭ ‬يحتويه،‭ ‬والنظافة‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها،‭ ‬والمصحّات‭ ‬التي‭ ‬يتطبب‭ ‬بها،‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها،‭ ‬والكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬التي‭ ‬يستهلكها،‭ ‬وانتهاءً‭ ‬بالقبر‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬جسده‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تحتمل‭ ‬الحكومات‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬بالقيام‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬بل‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المجدي‭ ‬أن‭ ‬تطحن‭ ‬رحى‭ ‬الحكومة‭ ‬حبوب‭ ‬المواطن‭ ‬والمقيم،‭ ‬فلا‭ ‬سلمت‭ ‬رحى‭ ‬الحكومة‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬ولم‭ ‬يهنأ‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬مأكله‭. ‬فقد‭ ‬أطلّ‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬برأسه‭ ‬عاليًا‭ ‬وبدأ‭ ‬يثبت‭ ‬للجمهور‭ ‬جدوى‭ ‬إشراكه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬وفعاليته‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المشهد‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬توفرت‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح،‭ ‬والتجارب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭ ‬كثيرة‭ ‬وعميقة‭ ‬ومتنوعة‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬استوعبت‭ ‬الدرس‭ ‬مبكرًا،‭ ‬فبدأت‭ ‬برصد‭ ‬وتحليل‭ ‬عملية‭ ‬تقديم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬أدمنت‭ ‬تقديمها‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬والبضائع‭ ‬التي‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬تصنيعها،‭ ‬وباشرت‭ ‬بطريقة‭ ‬ممنهجة‭ ‬وتدريجية‭ ‬إسناد‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬لأصحاب‭ ‬الاختصاص‭ ‬ضمن‭ ‬برامج‭ ‬حكومية‭ ‬حققت‭ ‬نجاحات‭ ‬منقطعة‭ ‬النظير‭. ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يخل‭ ‬من‭ ‬عوائق‭ ‬متعبة،‭ ‬لم‭ ‬تضعف‭ ‬عزيمة‭ ‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬بلوغ‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان‭.‬