ومضة قلم

مديرات أم معذبات! (1)

| محمد المحفوظ

أتصّور‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬واضح‭ ‬ومحدد‭ ‬لمفهوم‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬لتجنب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬والمآسي‭ ‬مستقبلا،‭ ‬ولعل‭ ‬الحادثة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬للبنات‭ ‬بعدم‭ ‬الإذن‭ ‬بدخول‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬لإنقاذ‭ ‬إحدى‭ ‬الطالبات‭ ‬التي‭ ‬أصيبت‭ ‬بحالة‭ ‬إغماء‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬ساعات‭ ‬تعد‭ ‬شاهدا‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬بالمدرسة‭.‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يلقي‭ ‬باللائمة‭ ‬على‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬بتركيزها‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬التعليمي‭ ‬وإهمالها‭ ‬التربية‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬خطأ‭ ‬فادح‭ ‬نجم‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬الساحة‭ ‬التربوية‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬غياب‭ ‬للقيم‭ ‬التربوية‭. ‬إنّ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يرد‭ ‬إلى‭ ‬أذهاننا‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬تتعامل‭ ‬الإدارات‭ ‬المدرسية‭ ‬بهذه‭ ‬القسوة‭ ‬مع‭ ‬أبنائنا‭ ‬وبناتنا‭ ‬الطالبات؟‭ ‬ولماذا‭ ‬تمارس‭ ‬بحقهن‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬للتربية‭ ‬ولا‭ ‬للإنسانية‭ ‬بأدنى‭ ‬صلة؟

لا‭ ‬نود‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نجري‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬قبل‭ ‬عقود‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سائد‭ ‬في‭ ‬مدارسنا‭ ‬اليوم،‭ ‬فالذين‭ ‬عاصروا‭ ‬التعليم‭ ‬قديما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنهم‭ ‬يتذكرون‭ ‬القيم‭ ‬السائدة‭ ‬آنذاك‭ ‬كالاحترام‭ ‬والتقدير‭. ‬البعض‭ ‬يذهب‭ ‬تعليقا‭ ‬على‭ ‬حادثة‭ ‬الطالبة‭ ‬بأنّ‭ ‬بعض‭ ‬الطلاب‭ ‬ينتهجون‭ ‬سلوكا‭ ‬سيئا‭ ‬تجاه‭ ‬أساتذتهم‭ ‬بافتعال‭ ‬مواقف‭ ‬تسيئ‭ ‬للمربين‭ ‬وتقلل‭ ‬مكانتهم‭ ‬ويتساءلون‭ ‬هل‭ ‬تريدون‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬الإدارية‭ ‬السكوت‭ ‬وعدم‭ ‬تطبيق‭ ‬الجزاءات؟

إنّ‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصرفات‭ ‬لو‭ ‬حدثت‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬إزاءها‭ ‬بوصفها‭ ‬حالات‭ ‬فردية‭ ‬ومن‭ ‬الظلم‭ ‬تعميمها‭ ‬على‭ ‬الجميع‭. ‬والذي‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬هنا‭ ‬أنه‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الإدارات‭ ‬المدرسية‭ ‬توفير‭ ‬بيئة‭ ‬تعليمية‭ ‬مناسبة‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬فإنّ‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬توافر‭ ‬بيئة‭ ‬تسودها‭ ‬الإيجابية‭ ‬بين‭ ‬طرفي‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬المعلم‭ ‬والطالب،‭ ‬لا‭ ‬تلك‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المتعلم،‭ ‬ولا‭ ‬نشك‭ ‬أن‭ ‬المربين‭ ‬يدركون‭ ‬أنّ‭ ‬العلاقة‭ ‬الإيجابية‭ ‬تدفع‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مستويات‭ ‬عليا‭ ‬من‭ ‬النجاح‭.‬

يؤكد‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬التربوي‭ ‬أنّ‭ ‬شعور‭ ‬الطالب‭ ‬بالأمان‭ ‬يرسخ‭ ‬فيه‭ ‬الصدق،‭ ‬وأنّ‭ ‬التسامح‭ ‬يعلمه‭ ‬العفو،‭ ‬وأنّ‭ ‬الصداقة‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬محبة‭ ‬الآخرين‭ ‬وأنّ‭ ‬المحبة‭ ‬تدفعه‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬النصح‭ ‬والتوجيه‭. ‬أما‭ ‬القسوة‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الإدارات‭ ‬المدرسية‭ ‬فإنها‭ ‬تهدم‭ ‬الكيان‭ ‬التربوي‭ ‬وتخلق‭ ‬أجيالا‭ ‬من‭ ‬عديمي‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أنّ‭ ‬الأسلوب‭ ‬العدائي‭ ‬يزرع‭ ‬الأحقاد‭ ‬والكراهيات‭.‬

وما‭ ‬فعلته‭ ‬مديرة‭ ‬المدرسة‭ ‬بحق‭ ‬إحدى‭ ‬طالباتها‭ ‬بمنع‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬تصرف‭ ‬غير‭ ‬إنسانيّ‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬حساب‭. ‬كما‭ ‬نتمنى‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬إجراء‭ ‬تحقيق‭ ‬عاجل‭ ‬في‭ ‬الحادثة‭ ‬ونشر‭ ‬الإجراءات‭ ‬المتخذة‭ ‬ونتائج‭ ‬التحقيقات‭.‬