سوالف

الموظف والمدير المرتشي... سوس ينخر في جسد المجتمع

| أسامة الماجد

نأسف‭ ‬وبشكل‭ ‬مؤلم‭ ‬عندما‭ ‬نقرأ‭ ‬خبرا‭ ‬مثل‭ ‬“صرح‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬والأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والإلكتروني‭ ‬بأنه‭ ‬تم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬موظف‭ ‬مدني‭ ‬بالإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬متلبسا‭ ‬باستلامه‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬كرشوة‭ ‬مقابل‭ ‬قيامه‭ ‬بتقديم‭ ‬خدمات‭ ‬تخل‭ ‬بواجبات‭ ‬وظيفته”‭.‬

فبدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الموظف‭ ‬مملوءا‭ ‬بالحماس‭ ‬والنشاط‭ ‬والثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬بساطة‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬للناس،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬اختار‭ ‬طريق‭ ‬خيانة‭ ‬الأمانة‭ ‬والثقة‭ ‬التي‭ ‬أودعت‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬يخون‭ ‬وظيفته‭ ‬ويرتشي‭ ‬يكون‭ ‬أشبه‭ ‬بالغارق‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الآسنة‭ ‬وما‭ ‬أقذرها‭ ‬من‭ ‬لذة،‭ ‬تركيب‭ ‬غريب‭ ‬لهذا‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬ينسى‭ ‬نفسه‭ ‬والمسؤولية‭ ‬التي‭ ‬أوكلت‭ ‬إليه‭ ‬ويمارس‭ ‬الخطيئة‭ ‬في‭ ‬الخفاء‭ ‬مع‭ ‬شياطين‭ ‬التفاهة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬الرشوة‭ ‬من‭ ‬أبشع‭ ‬أنواع‭ ‬الفساد‭ ‬والرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لعن‭ ‬الراشي‭ ‬والمرتشي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬الأمراض‭ ‬فتكا‭ ‬بالمجتمع‭. ‬

الحاجة‭ ‬للمال‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬الإنسان‭ ‬يبيع‭ ‬نفسه‭ ‬ويغوص‭ ‬في‭ ‬مناكب‭ ‬الفساد‭ ‬ويدنس‭ ‬عروقه‭ ‬ويسممها‭ ‬بكحول‭ ‬اللصوصية،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬عروقه‭ ‬مسممة‭ ‬بالإجرام‭ ‬وانعدام‭ ‬الأخلاق،‭ ‬يمارس‭ ‬جرائمه‭ ‬وعدم‭ ‬أخلاقيته‭ ‬كما‭ ‬يمارس‭ ‬الراهب‭ ‬تعبده‭ ‬وتأملاته‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يمارس‭ ‬البطل‭ ‬بطولاته‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬واعتزاز،‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬للمراجعين‭ ‬“إذا‭ ‬أردت‭ ‬لمعاملتك‭ ‬أن‭ ‬تنجز‭ ‬بسرعة‭ ‬فما‭ ‬عليك‭ ‬إلا‭ ‬بتطييب‭ ‬خاطري”،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬موظفين‭ ‬مرتشين،‭ ‬لابد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬مدراء‭ ‬ومسؤولون‭ ‬تلفهم‭ ‬عورة‭ ‬الرشوة‭ ‬وقلوبهم‭ ‬أشبه‭ ‬بالأسمنت‭ ‬والحديد،‭ ‬لا‭ ‬ذمة‭ ‬ولا‭ ‬ضمير‭ ‬ولا‭ ‬أخلاق‭ ‬والخسة‭ ‬والنذالة‭ ‬تلاحقهم‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا،‭ ‬فهم‭ ‬كالسوس‭ ‬المتوحش‭ ‬الذي‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وكلما‭ ‬ارتقوا‭ ‬في‭ ‬مناصبهم‭ ‬أكثر،‭ ‬كلما‭ ‬أمطرت‭ ‬سماؤهم‭ ‬فسادا‭ ‬وارتسمت‭ ‬على‭ ‬جباههم‭ ‬دوائر‭ ‬الغدر‭ ‬وخيانة‭ ‬الأمانة‭.‬

الموظف‭ ‬والمدير‭ ‬المرتشي‭ ‬ملوثان‭ ‬بسموم‭ ‬السقوط‭ ‬وحبال‭ ‬اللعنة‭ ‬تلتف‭ ‬حول‭ ‬عنقيهما،‭ ‬وهما‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬الإغريقية‭ ‬“ميداس‭ ‬والذهب”،‭ ‬فميداس‭ ‬كان‭ ‬يتمنى‭ ‬من‭ ‬الآلهة‭ ‬أن‭ ‬تمنحه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يلمسه‭ ‬إلى‭ ‬ذهب،‭ ‬وبالفعل‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬أراد،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬يلمسه‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬ذهب،‭ ‬وحينما‭ ‬شعر‭ ‬بالعطش‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬وغرف‭ ‬بيديه‭ ‬ولكن‭ ‬الماء‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ذهب‭... ‬ومات‭!.‬