بنية تحتية للهوية الوطنية

| د. عبدالله الحواج

قد‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يصبح‭ ‬النماء‭ ‬فيها‭ ‬مرادفًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬مرجعا‭ ‬علميا‭ ‬للشخصية‭ ‬البحرينية،‭ ‬ومشروعا‭ ‬خارجا‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬في‭ ‬حافظة‭ ‬الازدهار‭ ‬المستدام‭ ‬لمملكتنا‭ ‬الحبيبة‭.‬

جاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬سامية‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بمناسبة‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمدن،‭ ‬وتألق‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يركز‭ ‬عليه‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تموضع‭ ‬بالفحوى‭ ‬العميق‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬يستوعبه‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬وبالفعل‭ ‬خرجت‭ ‬رسالة‭ ‬القائد‭ ‬في‭ ‬يومها،‭ ‬في‭ ‬أوانها‭ ‬وزمانها‭ ‬المنضبط‭ ‬على‭ ‬ساعة‭ ‬الدنيا‭ ‬المهتمة‭ ‬بيوم‭ ‬المدن،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬للحضارة‭ ‬والتقدم‭ ‬للبشرية،‭ ‬ويوم‭ ‬للسلام‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬البناء‭ ‬الحديث‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭.‬

يتحدث‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬عن‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬تصلح‭ ‬كأساس‭ ‬يمكن‭ ‬التعاطي‭ ‬معه‭ ‬عند‭ ‬إقامة‭ ‬مشروع‭ ‬سكني،‭ ‬أو‭ ‬صياغة‭ ‬خطة‭ ‬عمرانية،‭ ‬هوية‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬التراث،‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬الأصيلة،‭ ‬شروطها‭ ‬ليست‭ ‬بالمستحيلة،‭ ‬لكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬لفكر‭ ‬وطني‭ ‬خالص،‭ ‬لثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬حاضرة‭ ‬وبناءة،‭ ‬ثم‭ ‬لعمل‭ ‬دءوب‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬الإنتاج‭ ‬المتألقة،‭ ‬وفوق‭ ‬الأرض‭ ‬الثابتة‭ ‬المرنة‭.‬

نحن‭ ‬نحتاج‭ ‬لبنة‭ ‬تحتية‭ ‬عصرية‭ ‬ومتطورة‭ ‬ونعمل‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬مبادرات‭ ‬خلاقة‭ ‬للتمسك‭ ‬بالشخصية‭ ‬الوطنية‭ ‬المتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الجوانب‭ ‬البيئية‭ ‬والمعالم‭ ‬التراثية‭ ‬والملامح‭ ‬التاريخية‭.‬

البناء‭ ‬والانتماء‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة،‭ ‬وزورقان‭ ‬مترافقان‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الوطن‭ ‬المتحاب‭ ‬بكل‭ ‬مفاصله‭ ‬وأطرافه،‭ ‬وأعيانه‭ ‬وأواصره،‭ ‬هو‭ ‬الارتباط‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬شكل‭ ‬المدينة،‭ ‬ومهمة‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬الحيوية،‭ ‬حكمة‭ ‬العمران،‭ ‬ودور‭ ‬المفكر‭ ‬والمثقف‭ ‬والأكاديمي‭ ‬في‭ ‬المساعدة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬فكر‭ ‬تنموي‭ ‬جديد‭ ‬ونحن‭ ‬نحتفل‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمدن،‭ ‬بل‭ ‬ونحن‭ ‬نقرأ‭ ‬رسالة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع،‭ ‬نحن‭ ‬نتطلع‭ ‬إذًا‭ ‬لترجمة‭ ‬الرسالة‭ ‬بعد‭ ‬قراءتها‭ ‬بتأنٍ،‭ ‬ونسعى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬لتحويل‭ ‬أفكارها‭ ‬لمشروع‭ ‬وطني‭ ‬يربط‭ ‬شكل‭ ‬الدولة‭ ‬بثقافتها‭ ‬المتوارثة،‭ ‬علومها‭ ‬المعصرنة،‭ ‬بآدابها‭ ‬العميقة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬الجامعات،‭ ‬وهي‭ ‬تتبنى‭ ‬برامج‭ ‬تعليمية‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تحاكي‭ ‬الواقع‭ ‬المتقدم،‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬السامية‭ ‬الجديرة‭ ‬بالتتبع‭ ‬والبحث‭ ‬والتقصي‭ ‬والدراسات‭ ‬المستفيضة‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬بلادنا‭ ‬ولا‭ ‬نهدم‭ ‬تراثنا،‭ ‬نلبي‭ ‬حاجات‭ ‬مواطنيها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نزيح‭ ‬هويتهم‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬البناء‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬يصبح‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭ ‬هو‭ ‬المطلوب‭ ‬إثباته‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر،‭ ‬حلول‭ ‬عاجلة‭ ‬لمشاكلنا‭ ‬الإسكانية،‭ ‬ومحافظة‭ ‬مؤمنة‭ ‬بالتراث‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬وأن‭ ‬تتجلى‭ ‬في‭ ‬مشاريعنا‭ ‬الإسكانية‭ ‬القادمة‭.‬

المدينة‭ ‬البحرينية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رمزًا‭ ‬دالًا‭ ‬على‭ ‬حضارة‭ ‬وطن،‭ ‬والمسكن‭ ‬الملائم‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬وثقافة‭ ‬العائلة‭ ‬التي‭ ‬تقنطه‭. ‬هكذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬عند‭ ‬حُسن‭ ‬ظن‭ ‬الرئيس،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬حُسنٌ‭ ‬في‭ ‬ظن‭ ‬ووجدان‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والأنثروبولوجيا‭ ‬والتاريخ‭.‬