تحطيم أذرع إيران... وأصنامها!

| صالح البيضاني

ظنت‭ ‬الأنظمة‭ ‬والتنظيمات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬ملالي‭ ‬إيران‭ ‬لسنوات‭ ‬أنها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تخدير‭ ‬شعوبها‭ ‬بأفيون‭ ‬الطائفية‭ ‬والمذهبية،‭ ‬وألهتها‭ ‬بالصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتتال‭ ‬الداخلي‭ ‬والشعارات‭ ‬الجوفاء،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬عواصم‭ ‬عربية‭ ‬تبجحت‭ ‬طهران‭ ‬بالسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬كبغداد‭ ‬وبيروت‭ ‬من‭ ‬حراك‭ ‬شعبي‭ ‬حاشد،‭ ‬ورافض‭ ‬لإيران‭ ‬وأدواتها‭ ‬وأصنامها‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية،‭ ‬أكد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬للشك،‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬الجائعة‭ ‬شبت‭ ‬عن‭ ‬الطوق‭ ‬وأصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬توقاً‭ ‬وجموحاً‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬ضلالات‭ ‬تلك‭ ‬الميليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تقتات‭ ‬على‭ ‬أوجاع‭ ‬شعوبها‭.‬

بعث‭ ‬شباب‭ ‬وشيوخ‭ ‬ونساء‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬رسائل‭ ‬كبيرة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬العريقة‭ ‬والأصيلة‭ ‬ليست‭ ‬ميتة‭ ‬كما‭ ‬اعتقد‭ ‬الجلادون‭ ‬التابعون‭ ‬لإيران،‭ ‬وأنهم‭ ‬فطنوا‭ ‬جيداً‭ ‬لكل‭ ‬حيل‭ ‬وألاعيب‭ ‬وخدع‭ ‬الميليشيات‭ ‬التي‭ ‬سارعت‭ ‬لاستحضار‭ ‬أساليبها‭ ‬البالية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإلهاء‭ ‬الشعوب‭ ‬مجدداً‭ ‬بصراعات‭ ‬سياسية‭ ‬وطائفية‭ ‬ومذهبية‭ - ‬إثنية،‭ ‬كانت‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬مآسي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬تحت‭ ‬براثن‭ ‬الحقد‭ ‬الإيراني‭.‬

أدرك‭ ‬العراقيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬لعبة‭ ‬قاتلة،‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬إفقارهم‭ ‬وإثراء‭ ‬قادة‭ ‬الميليشيات،‭ ‬كما‭ ‬لمسوا‭ ‬مدى‭ ‬فظاعة‭ ‬الميليشيات‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬والتي‭ ‬تعاملت‭ ‬معهم‭ ‬بقسوة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬عبر‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الممنهجة‭ ‬ضد‭ ‬المتظاهرين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إرهابهم‭ ‬باستخدام‭ ‬قطعان‭ ‬بشرية‭ ‬منزوعة‭ ‬الرحمة،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬قنصهم‭ ‬بالرصاص‭ ‬الحي،‭ ‬والقذائف‭ ‬الصاروخية‭ ‬واتهامهم‭ ‬بالعمالة‭ ‬للشرق‭ ‬والغرب‭.‬

لقد‭ ‬جعلت‭ ‬ثورة‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حتمية‭ ‬مع‭ ‬الميليشيات‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬تختطف‭ ‬البلدين،‭ ‬وسواء‭ ‬نجح‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬إجهاضه‭ ‬باستخدام‭ ‬أشرس‭ ‬وسائل‭ ‬القمع‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سقوط‭ ‬تلك‭ ‬الميليشيات‭ ‬بات‭ ‬أمراً‭ ‬مقضياً‭ ‬بمنطق‭ ‬التاريخ،‭ ‬حيث‭ ‬فقدت‭ ‬حاضنتها‭ ‬الشعبية‭ ‬وغطاءها‭ ‬الطائفي‭ ‬والمذهبي‭ ‬والجهوي‭ ‬وباتت‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الشعب‭ ‬كل‭ ‬الشعب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬خطابات‭ ‬زعيم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬الارتباك‭ ‬والتخبط‭ ‬وشابها‭ ‬القلق‭ ‬وسوء‭ ‬التقدير‭.‬

لم‭ ‬يسبب‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬فحسب،‭ ‬حيث‭ ‬تبدو‭ ‬العاصمة‭ ‬اليمنية‭ ‬المختطفة‭ ‬“صنعاء”‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الميليشيات‭ ‬الحوثية‭ ‬أكثر‭ ‬توقاً‭ ‬للانقضاض‭ ‬على‭ ‬الفرع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬غارقاً‭ ‬في‭ ‬أوهام‭ ‬التبعية،‭ ‬غير‭ ‬مدرك‭ ‬لحجم‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بمشروع‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أدرك‭ ‬العراقيون‭ ‬واللبنانيون‭ ‬أنهم‭ ‬وقعوا‭ ‬ضحية‭ ‬للتجاذبات‭ ‬الحزبية‭ ‬والطائفية،‭ ‬وانهم‭ ‬ازدادوا‭ ‬فقراً‭ ‬وبؤساً‭ ‬بقدر‭ ‬انقساماتهم‭ ‬وتشظيهم،‭ ‬بينما‭ ‬ازداد‭ ‬قادة‭ ‬طوائفهم‭ ‬غنى‭ ‬وفساداً،‭ ‬يتبدى‭ ‬السؤال‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحاً‭: ‬متى‭ ‬يدرك‭ ‬اليمنيون‭ ‬الواقعون‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬وسطوة‭ ‬الميليشيات‭ ‬الحوثية‭ ‬ذلك؟‭. ‬“الرؤية”‭.‬