مقتل البغدادي... الإرهاب للخلف دُر! (2)

| سالم الكتبي

ثمة‭ ‬سبب‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬تغول‭ ‬“داعش”‭ ‬وانتشاره‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تحول‭ ‬الإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬“بزنس”‭ ‬ومصدر‭ ‬ارتزاق‭ ‬لعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الحالمين‭ ‬بدولة‭ ‬أو‭ ‬إمارة‭ ‬تسكن‭ ‬خيالهم‭ ‬وثقافتهم‭ ‬الدينية‭ ‬المحدودة،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬دعاية‭ ‬“داعش”‭ ‬وأساليب‭ ‬تجنيدها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الإغراء‭ ‬بالراتب‭ ‬والسكن‭ ‬والزوجة‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬“السبايا”‭ ‬والعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬احتوته‭ ‬مضامين‭ ‬فيديوهات‭ ‬التجنيد‭ ‬الداعشي‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ونافست‭ ‬في‭ ‬جاذبيتها‭ ‬دعاية‭ ‬الشركات‭ ‬العالمية‭ ‬عابرة‭ ‬القارات‭ ‬في‭ ‬تجنيد‭ ‬ذوي‭ ‬المواهب‭ ‬والمبدعين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭!‬

من‭ ‬ينكر‭ ‬دور‭ ‬الدعاية‭ ‬المفرطة‭ ‬في‭ ‬جلب‭ ‬آلاف‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬نفوذ‭ ‬“داعش”‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬والمذكرات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬ومنها‭ ‬كتاب‭ ‬“كنت‭ ‬في‭ ‬الرقّة‭: ‬هارب‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية”،‭ ‬للمؤلف‭ ‬التونسي‭ ‬هادي‭ ‬يحمد،‭ ‬والذي‭ ‬يحكي‭ ‬كيف‭ ‬صُدم‭ ‬شاب‭ ‬تونسي‭ ‬“هاجر”‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬التنظيم‭ ‬ظناً‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬عجلة‭ ‬الزمن‭ ‬ستنقله‭ ‬بمجرد‭ ‬عبور‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬من‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الخلافة‭ ‬الراشدة‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬كامنا‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬أو‭ ‬مخططات‭ ‬جاهزة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬استقواء‭ ‬التنظيم‭ ‬بالدعاية‭ ‬وتضخمه‭ ‬من‭ ‬خلالها،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬الأحوال‭ ‬جميعها‭ ‬يبقى‭ ‬“داعش”‭ ‬مصدر‭ ‬تهديد‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬وستبقى‭ ‬الفكرة‭ ‬ذاتها‭ ‬تراود‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المغامرين‭ ‬والمهووسين‭ ‬والجهلاء‭ ‬والمغرر‭ ‬بهم،‭ ‬سواء‭ ‬لأن‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يخل‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحله‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬والأفكار‭ ‬وإن‭ ‬تراوحت‭ ‬شدتها‭ ‬وحدتها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬تبعاً‭ ‬للظروف‭ ‬الزمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬“النفخ”‭ ‬في‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬توظيفها‭ ‬أو‭ ‬استخدامها‭ ‬وغير‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬بدرجات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬التشدد‭ ‬والتطرف‭ ‬الديني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬زمنية‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬وفشل‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬كفيل‭ ‬بتهيئة‭ ‬عوامل‭ ‬البقاء‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬الكارثية‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬“القاعدة”‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬بنفس‭ ‬قوتها‭ ‬وخطورتها،‭ ‬فالتجارب‭ ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬ينسخ‭ ‬بعضهاً‭ ‬بعضاً،‭ ‬وأن‭ ‬الجديد‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬“جاذبية”‭ ‬ـ‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭ ‬ـ‭ ‬القديم،‭ ‬فالقاعدة‭ ‬قضت‭ ‬على‭ ‬جاذبية‭ ‬أجيال‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬بانتقالها‭ ‬من‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬العالمية،‭ ‬وداعش‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬القاعدة‭ ‬عبر‭ ‬منهج‭ ‬“إدارة‭ ‬التوحش”‭ ‬وبناء‭ ‬ما‭ ‬زعم‭ ‬أنه‭ ‬“خلافة‭ ‬إسلامية”‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬جدلية‭ ‬العدو‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬وأيهما‭ ‬أولى‭ ‬بالمواجهة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬ابن‭ ‬لادن‭ ‬يركز‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

الثابت‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬الأحوال‭ ‬أن‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬وأجيالها‭ ‬هو‭ ‬خلاف‭ ‬تكتيكي‭ ‬وليس‭ ‬استراتيجيا،‭ ‬فهو‭ ‬خلاف‭ ‬حول‭ ‬الأسلوب‭ ‬والمنهج‭ ‬والتكتيك‭ ‬المستخدم،‭ ‬وهو‭ ‬خلاف‭ ‬ينتج‭ ‬خلافاً‭ ‬موازياً‭ ‬حول‭ ‬الزعامة‭ ‬والقيادة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬التفكير‭ ‬وبالتالي‭ ‬صحة‭ ‬العقيدة‭! ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فالأرجح‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬يرفض‭ ‬النهج‭ ‬الداعشي‭ ‬ويسقط‭ ‬نظرية‭ ‬الخلافة‭ ‬و”إدارة‭ ‬التوحش”،‭ ‬ويفضل‭ ‬العمل‭ ‬السري‭ ‬والتخفي‭ ‬مجدداً،‭ ‬أي‭ ‬إعادة‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬الإرهاب‭ ‬إلى‭ ‬أصلها‭ ‬ومبتداها‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬تجربة‭ ‬ظن‭ ‬البعض‭ ‬أنها‭ ‬ذروة‭ ‬نجاح‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭. ‬“إيلاف”‭.‬