مقتل البغدادي... الإرهاب للخلف دُر! (1)

| سالم الكتبي

على‭ ‬عكس‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬تنظيم‭ ‬“القاعدة”‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬2011،‭ ‬حيث‭ ‬تباينت‭ ‬آراء‭ ‬الخبراء‭ ‬والمحللين‭ ‬وقتذاك‭ ‬حول‭ ‬نهاية‭ ‬التنظيم‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬اتفق‭ ‬الجميع‭ ‬عقب‭ ‬إعلان‭ ‬مقتل‭ ‬أبوبكر‭ ‬البغدادي‭ ‬زعيم‭ ‬تنظيم‭ ‬“داعش”‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬اختفاء‭ ‬البغدادي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬التنظيم‭. ‬للتجارب‭ ‬السابقة‭ ‬مع‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬المعاصرة‭ ‬أثر‭ ‬مهم‭ ‬بالتأكيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬والإجماع‭.‬

وفي‭ ‬اقتفاء‭ ‬الأثر‭ ‬والبحث‭ ‬في‭ ‬مآلات‭ ‬“داعش”،‭ ‬وفي‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬اتجاهات‭ ‬عدة‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬آيديولوجية‭ ‬الفكر‭ ‬الإرهابي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حواضن‭ ‬مجتمعية‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬سبل‭ ‬البقاء،‭ ‬بحيث‭ ‬تعيش‭ ‬دورة‭ ‬حياتها‭ ‬بين‭ ‬مد‭ ‬وجزر،‭ ‬وتمدد‭ ‬وانكماش،‭ ‬وهذا‭ ‬التفسير‭ ‬صحيح‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬وينطوي‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفالها،‭ ‬ولكنها‭ ‬ليست،‭ ‬برأيي،‭ ‬العامل‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬بقاء‭ ‬“القاعدة”‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولن‭ ‬تكون،‭ ‬بالتالي،‭ ‬العامل‭ ‬الأوحد‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬“داعش”‭ ‬وبقائه‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬رغم‭ ‬مقتل‭ ‬مؤسسه،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الجميع‭.‬

إذا،‭ ‬ما‭ ‬الأسباب‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬بقاء‭ ‬تنظيمات‭ ‬الإرهاب‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة؟‭! ‬باعتقادي‭ ‬الشخصي‭ ‬إن‭ ‬الأفكار‭ ‬لا‭ ‬تموت‭ ‬بموت‭ ‬أصحابها‭ ‬وهذا‭ ‬صحيح،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬البغدادي،‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬ابن‭ ‬لادن،‭ ‬هما‭ ‬أصحاب‭ ‬فكر‭ ‬آيديولوجي‭ ‬قابل‭ ‬للتوارث‭ ‬والانتقال‭ ‬بين‭ ‬الأجيال؟‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الفكر‭ ‬الآيديولوجي‭ ‬ربما‭ ‬يبدو‭ ‬بصورة‭ ‬أوضح‭ ‬في‭ ‬نموذج‭ ‬البغدادي،‭ ‬الذي‭ ‬تجمع‭ ‬الكتابات‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬“زعيم‭ ‬بالمصادفة”،‭ ‬وأنه‭ ‬مجرد‭ ‬“ستار”‭ ‬أو‭ ‬واجهة‭ ‬لمجموعات‭ ‬من‭ ‬المنتفعين‭ ‬والمتاجرين‭ ‬بالشعارات‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬ومصالحية،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬المنتفعون‭ ‬ربما‭ ‬يكونون‭ ‬أفراداً‭ ‬أو‭ ‬مجموعات‭ ‬مصالح‭ ‬أو‭ ‬أجهزة‭ ‬استخبارات‭ ‬أو‭ ‬دولا‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬معاً‭ ‬حين‭ ‬تتلاقى‭ ‬المصالح‭ ‬والأجندات‭ ‬الخفية‭ ‬والمعلنة‭! ‬فالبغدادي‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬عنه‭ ‬الزعامة‭ ‬ولا‭ ‬القيادة‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬من‭ ‬عرفوه‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬شخصا‭ ‬انطوائيا‭ ‬محدود‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬الشرعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬عدم‭ ‬ظهوره‭ ‬سوى‭ ‬مرتين‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬لقطات‭ ‬فيديو‭ ‬مصورة‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬ملأ‭ ‬تنظيمه‭ ‬فيها‭ ‬الدنيا‭ ‬ضجيجاً‭ ‬وقلقاً،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬استعانته‭ ‬بمفت‭ ‬خاص‭ ‬للتنظيم‭ ‬لإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬الشرعي‭ ‬في‭ ‬المسائل‭ ‬الفقهية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬البغدادي‭ ‬لم‭ ‬يكن،‭ ‬باعترافه،‭ ‬مؤهلا‭ ‬كزعيم‭ ‬ديني،‭ ‬وهي‭ ‬الصفة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تسوغ‭ ‬له‭ ‬قيادة‭ ‬التنظيم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬افتقاره‭ ‬للخبرة‭ ‬العسكرية‭ ‬والإدارية‭ ‬وأية‭ ‬خبرات‭ ‬أخرى‭ ‬يتطلبها‭ ‬دوره‭ ‬كقائد‭ ‬لدولة‭ ‬مزعومة‭ ‬منحت‭ ‬لنفسها‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬ـ‭ ‬الولاية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬ومساحة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭!. ‬“إيلاف”‭.‬