وَخْـزَةُ حُب

أقصى اللذة.. ضياعها!

| د. زهرة حرم

ما‭ ‬إن‭ ‬يُولد‭ ‬الإنسان‭ ‬حتى‭ ‬نراه‭ ‬يلهث‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬حالة‭ ‬الإشباع؛‭ ‬فالطفل‭ ‬الوليد‭ ‬قد‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هياج‭ ‬وصراخ؛‭ ‬إذا‭ ‬تأخر‭ ‬إرضاعه،‭ ‬ولا‭ ‬يهدأ‭ ‬أو‭ ‬يقر‭ ‬له‭ ‬جفن‭ ‬حتى‭ ‬تمتلئ‭ ‬معدته،‭ ‬ويبلغ‭ ‬مرحلة‭ ‬الإشباع‭! ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الجري‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬مستمر‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يتوقف،‭ ‬ويأخذ‭ ‬له‭ ‬أشكالا‭ ‬وتلاوين،‭ ‬وما‭ ‬الغذاء‭ ‬سوى‭ ‬مثال‭ ‬بسيط‭ ‬للتدليل‭ ‬عليه‭! ‬ولو‭ ‬قُدر‭ ‬للإنسان‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬والسبل‭ ‬لإشباع‭ ‬جميع‭ ‬رغباته؛‭ ‬لما‭ ‬رفض‭ ‬أو‭ ‬استنكف،‭ ‬وقال‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬مزيد‭! ‬فهو‭ ‬طموح‭ ‬بطبعه،‭ ‬طماع‭ ‬بفطرته،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬تعثُّر‭ ‬أمانيه‭ ‬ورغباته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لِجام؛‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ضيق‭ ‬اليد‭ ‬والحال،‭ ‬أو‭ ‬ضيق‭ ‬الفكر‭ ‬والعلم،‭ ‬وربما‭ ‬ضيق‭ ‬الحيلة‭ ‬وانعدام‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬الفُرص،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬لن‭ ‬يتوانى‭ ‬عن‭ ‬إشباع‭ ‬ما‭ ‬يرغب‭ ‬فيه؛‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬ذلك‭!‬

الإشباع‭ ‬كما‭ ‬نفهمه‭ ‬هو‭ ‬بلوغ‭ ‬حالة‭ ‬الامتلاء،‭ ‬ووصول‭ ‬حد‭ ‬الكفاية‭! ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الرغبات‭ ‬المادية‭ ‬أو‭ ‬الحسية،‭ ‬بل‭ ‬يتضمن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معنوي‭ ‬أو‭ ‬نفسي‭!‬‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬صفة‭ ‬تميزه‭ ‬هي‭ (‬الوقتية‭)‬؛‭ ‬لذلك‭ ‬يسعى‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬تكراره‭ ‬كلما‭ ‬وجد‭ ‬الفرص‭ ‬سانحة‭ ‬له؛‭ ‬فنحن‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ - ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬رجلًا‭ ‬شغوفًا‭ ‬بجمع‭ ‬المال‭ ‬قال‭ ‬لنفسه‭: ‬اكتفيت‭! ‬ولذلك‭ ‬نراه‭ ‬يسعى‭ ‬وراء‭ ‬إشباع‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭! ‬لم‭ ‬نجد‭ ‬إنسانا‭ ‬منا‭ ‬يكتفي‭ ‬بحالة‭ ‬حب‭ ‬أو‭ ‬عاطفة‭ ‬أو‭ ‬راحة‭ ‬وقتية،‭ ‬فيقول‭: ‬شبعت،‭ ‬وتنتهي‭ ‬القصة‭! ‬هي‭ ‬دائرة‭ ‬نحوم‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬حتى‭ ‬يتوقف‭ ‬فينا‭ ‬آخر‭ ‬نفس‭!‬

بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬الإشباع‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجسد‭ ‬والروح‭ ‬معًا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬الذي‭ ‬يجعلنا‭ ‬نلهث‭ ‬خلفه‭ ‬هكذا؛‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ (‬اللذة‭)! ‬فتحقيق‭ ‬الإشباع‭ ‬يُوصل‭ ‬رسالة‭ ‬لطيفة‭ ‬إلى‭ ‬الدماغ‭ ‬تُشبه‭ ‬السحر،‭ ‬تنعشه‭ ‬وتحييه‭: ‬إنها‭ ‬اللذة‭ ‬بالشيء‭! ‬استطعامه،‭ ‬وتذوق‭ ‬حلاوته‭! ‬من‭ ‬هنا‭ ‬نعي‭ ‬سبب‭ ‬الإلحاح‭ ‬عليه،‭ ‬والرغبة‭ ‬المستميتة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬الإشباع‭ ‬متعلق‭ ‬بما‭ ‬يشتهيه‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬أو‭ ‬يحبه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نتفق‭ ‬فيه‭ ‬جميعنا؛‭ ‬فما‭ ‬أراه‭ ‬مهما‭ ‬لديّ،‭ ‬وبحاجة‭ ‬لإشباع؛‭ ‬يراه‭ ‬الآخر‭ ‬عرَضيا‭ ‬هامشيًا؛‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬غايتي‭ ‬إشباع‭ ‬حاجة‭ ‬مادية‭ ‬في‭ ‬نفسي؛‭ ‬كأن‭ ‬أُوصل‭ ‬رصيدي‭ ‬البنكي‭ ‬إلى‭ ‬مبلغ‭ ‬وقدره،‭ ‬ويكون‭ ‬لدى‭ ‬ذاك‭ ‬الآخر‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إشباع‭ ‬المعرفة‭ ‬لديه‭... ‬وهكذا‭! ‬

إن‭ ‬من‭ ‬الجميل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لنا‭ ‬حاجة‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬إشباعها؛‭ ‬لنشعر‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الرضا،‭ ‬وإنْ‭ ‬كان‭ ‬وقتيًا‭! ‬لكن‭ ‬من‭ ‬السيئ‭ ‬أن‭ ‬نبالغ‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الإشباع‭ ‬بالشيء،‭ ‬حتى‭ ‬نفقد‭ ‬لذته؛‭ ‬متوهمين‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬زاد؛‭ ‬زادت‭ ‬متعتنا،‭ ‬وانفتحت‭ ‬لنا‭ ‬مغاليق‭ ‬السعادة،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬نخسرها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رجعة،‭ ‬فنكون‭ ‬كمن‭ ‬عبّر‭ ‬عنهم‭ ‬المثل‭ ‬العربي‭ (‬طلبوا‭ ‬اللذة‭ ‬فأخطأوها‭)!.‬