انتفاضات وطنية وشعبية

| عبدعلي الغسرة

من‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬اليمن،‭ ‬ومن‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬لبنان،‭ ‬انطلقت‭ ‬انتفاضات‭ ‬وطنية‭ ‬وشعبية‭ ‬ضد‭ ‬أسياد‭ ‬الطائفية‭ ‬والتيارات‭ ‬السياسية،‭ ‬لهيب‭ ‬التظاهر‭ ‬تحت‭ ‬كل‭ ‬حجر‭ ‬وشجر‭ ‬في‭ ‬مُدن‭ ‬العراق‭ ‬الصابرة‭ ‬على‭ ‬ميليشيات‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬ومن‭ ‬مُدن‭ ‬لبنان‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬لهيب‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تلاعبت‭ ‬وتتلاعب‭ ‬بأقدار‭ ‬وأموال‭ ‬لبنان‭ ‬وشعبه،‭ ‬وفي‭ ‬اليمن‭ ‬لأجل‭ ‬إطفاء‭ ‬الحرائق‭ ‬التي‭ ‬أشعلها‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬هناك‭.‬

اتهم‭ ‬الحشد‭ ‬الإيراني‭ ‬وميليشياته‭ ‬انتفاضة‭ ‬العراق‭ ‬بالتآمر‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬وبتمويله‭ ‬لها‭ ‬مثلما‭ ‬اتهمت‭ ‬ميليشيات‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬المتظاهرين‭ ‬اللبنانيين‭ ‬بأنهم‭ ‬متآمرون‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬وأنهم‭ ‬يستلمون‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬السفارات‭ ‬والدول‭ ‬الأجنبية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تنال‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬الأموال‭ ‬والعتاد‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وتتصرف‭ ‬بأوامرٍ‭ ‬منه‭. ‬لقد‭ ‬وقف‭ ‬أهل‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وقبلهم‭ ‬السودان‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وقفوا‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬تسببوا‭ ‬في‭ ‬البطالة‭ ‬وزيادة‭ ‬المديونية‭ ‬الخارجية،‭ ‬وضد‭ ‬مَن‭ ‬لم‭ ‬ينفقوا‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬عليه‭ ‬لبنان‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬أزماته،‭ ‬وعود‭ ‬نوابهم‭ ‬والحكومات‭ ‬من‭ ‬عددها‭ ‬كادت‭ ‬تطال‭ ‬السماء‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أضحت‭ ‬كسراب‭ ‬يحسبه‭ ‬الظمآن‭ ‬ماء‭. ‬

إن‭ ‬الوجع‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وليس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬ولو‭ ‬سارت‭ ‬التحقيقات‭ ‬لأماطت‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬مستوى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التجاوزات‭ ‬والتقصير‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬فالأموال‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬لا‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأرض‭ ‬وشعبها‭ ‬بل‭ ‬تتشارك‭ ‬فيها‭ ‬الميليشيات‭ ‬والتيارات‭ ‬تاركة‭ ‬بلدانها‭ ‬في‭ ‬الفقر‭ ‬والعجز‭ ‬وفي‭ ‬صفقات‭ ‬ونفقات‭ ‬رفعت‭ ‬المديونية‭ ‬وكُلٌ‭ ‬يُنادي‭ ‬بالمساءلة‭ ‬والمحاسبة‭ ‬والمراقبة‭! ‬وإن‭ ‬اختلفوا‭ ‬فإنهم‭ ‬يختلفون‭ ‬على‭ ‬تقاسم‭ ‬الحصص‭ ‬ومقدار‭ ‬غنيمة‭ ‬كل‭ ‬منهم‭.‬

الشعب‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يُريد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬يطلقها‭ ‬السياسيون‭ ‬والمسؤولون‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬نوابا‭ ‬أو‭ ‬وزراء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬في‭ ‬أقطارهم،‭ ‬وأن‭ ‬يعمل‭ ‬كُل‭ ‬مَن‭ ‬يستطيع‭ ‬وفق‭ ‬طاقته‭ ‬الوطنية‭ ‬والإيمانية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة‭ ‬وإداراتها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬تقصير‭ ‬أو‭ ‬مد‭ ‬اليد‭ ‬لما‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬الحق‭ ‬فيه،‭ ‬والدولة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬عاجزة‭ ‬إلا‭ ‬بعجز‭ ‬من‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬إداراتها،‭ ‬ورخاؤها‭ ‬يكون‭ ‬بالاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لمواردها،‭ ‬ونماء‭ ‬شعبها‭ ‬يكون‭ ‬برخاء‭ ‬البلاد‭.‬

نهض‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬واللبناني‭ ‬رافضًا‭ ‬سياسة‭ ‬المرجعيات‭ ‬الدينية‭ ‬والتيارات‭ ‬السياسية،‭ ‬رافضًا‭ ‬الجوع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتخم‭ ‬فيه‭ ‬التيارات‭ ‬جيوبها‭ ‬بالمال‭ ‬الحلال‭ ‬لهم‭ ‬والمحرم‭ ‬على‭ ‬شعبهم‭. ‬لقد‭ ‬انطلقت‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضات‭ ‬لتعلن‭ ‬رفضها‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لاذت‭ ‬فيه‭ ‬الجرذان‭ ‬إلى‭ ‬الجحور‭ ‬لتعلن‭ ‬بأوراقٍ‭ ‬صفراء‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تصْدِق‭ ‬فيها‭ ‬وغير‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬تنفيذها‭.‬