الوضع اللبناني وسيناريوهاته المعقدة

| علي حسين

إن‭ ‬نظرة‭ ‬فاحصة‭ ‬للوضع‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬توضح‭ ‬خطورة‭ ‬وتعقيد‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العزيز‭ ‬على‭ ‬قلوب‭ ‬العرب‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية‭ ‬ونهضوية‭ ‬وحتى‭ ‬سياحية،‭ ‬فالاقتصاد‭ ‬اللبناني‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانهيار،‭ ‬إذ‭ ‬بلغ‭ ‬الدين‭ ‬العام‭ ‬‮٨٦‬‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يتعد‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬‮٥٦‬‭ ‬مليارا،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الدين‭ ‬للناتج‭ ‬‮١٥٠‬‭ % ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬خطيرة‭ ‬جدا‭ ‬وبالتالي‭ ‬بات‭ ‬لبنان‭ ‬أكثر‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬استدانة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬وضمن‭ ‬أكثر‭ ‬خمس‭ ‬دول‭ ‬عالميا،‭ ‬وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬في‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة‭ ‬بلغ‭ ‬‮١١‬‭ %.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬نظرنا‭ ‬لأكثر‭ ‬شعارات‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ترديدا‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬لبنان‭ ‬ومدنه‭ ‬وضواحيه‭ ‬نجد‭ ‬أنها‭ ‬شعارات‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المفسدين،‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬ذلك‭ ‬مستغربا‭ ‬فلبنان‭ ‬يقبع‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬‮٣٧‬‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬مدركات‭ ‬الفساد‭ ‬بحسب‭ ‬تقرير‭ ‬‮٢٠١٨‬‭! ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مسببات‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬تضاعفت‭ ‬في‭ ‬العشر‭ ‬سنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بحسب‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية‭ ‬تغول‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬فالقرار‭ ‬الأساسي‭ ‬أصبحت‭ ‬الكلمة‭ ‬الأخيرة‭ ‬فيه‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ ‬حليف‭ ‬إيران‭ ‬غير‭ ‬المعني‭ ‬بمصلحة‭ ‬البلد‭ ‬والمستقوي‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمستفيد‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي،‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المانحة‭ ‬للبنان‭ ‬لوقف‭ ‬مساعدتها‭ ‬المالية‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬تفشي‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬والتي‭ ‬تحكم‭ ‬وتملك‭ ‬المال‭ ‬والمشاريع‭ ‬والاستثمارات‭ ‬والإعلام‭ ‬جعلها‭ ‬تعمل‭ ‬لمصالحها‭ ‬وليس‭ ‬لمصالح‭ ‬الشعب‭ ‬والدولة‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬معوقات‭ ‬النمو‭ ‬اللبناني،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬لعرقلة‭ ‬جل‭ ‬القرارات‭ ‬التنموية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تتضارب‭ ‬مع‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬والمصالح‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬نفسها،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬يمتلك‭ ‬قرارا‭ ‬نهائيا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬سعد‭ ‬الحريري‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬وعده‭ ‬سببا‭ ‬رئيسيا‭ ‬لعدم‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاحات‭. ‬

إذا‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إصلاح‭ ‬وضعها‭ ‬المالي‭ ‬والإيفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬المتراكمة‭ ‬نتيجة‭ ‬سنوات‭ ‬الفساد‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬المتظاهرون‭ ‬تجد‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬حقيقي،‭ ‬فأصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬المالي‭ ‬والسياسي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬ولن‭ ‬يقوموا‭ ‬بعمل‭ ‬يضر‭ ‬مصالحهم،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬المثقلين‭ ‬أساسا‭ ‬بأوضاع‭ ‬معيشية‭ ‬واقتصادية‭ ‬صعبة،‭ ‬والدليل‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مؤخرا‭ ‬وأدى‭ ‬لنزول‭ ‬الناس‭ ‬للشارع‭ ‬بعد‭ ‬التوجه‭ ‬لفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جديدة‭.‬

الخلاصة‭ ‬أن‭ ‬أمام‭ ‬لبنان‭ ‬ثلاث‭ ‬سيناريوهات‭: ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬الشعب‭ ‬بإصلاحات‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭ ‬وإقناعهم‭ ‬بالصبر‭ ‬حتى‭ ‬الانتخابات‭ ‬القادمة‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭... ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تستقيل‭ ‬الحكومة‭ ‬وهو‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬مأزق‭ ‬فجميعنا‭ ‬يذكر‭ ‬حينما‭ ‬ظل‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬سياسي‭ ‬بدون‭ ‬حكومة‭ ‬لمدة‭ ‬‮٢٥٢‬‭ ‬يوما،‭ ‬واحتاج‭ ‬البرلمان‭ ‬‮٤٥‬‭ ‬جلسة‭ ‬لانتخاب‭ ‬الرئيس‭ ‬ميشيل‭ ‬عون‭ ‬وأنهى‭ ‬خلو‭ ‬مقعد‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬استمر‭ ‬سنتين‭ ‬ونصف‭ ‬السنة‭... ‬أما‭ ‬أسوأ‭ ‬السيناريوهات‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬الأوضاع‭ ‬للصدام‭ ‬المسلح‭ ‬وهي‭ ‬الورقة‭ ‬التي‭ ‬هدد‭ ‬بها‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬وهي‭ ‬ورقته‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬سيلجأ‭ ‬لها‭ ‬إذا‭ ‬هددت‭ ‬مصالح‭ ‬حزبه‭ ‬ونفوذه‭ ‬ومصالح‭ ‬إيران‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭. ‬يبقى‭ ‬السيناريو‭ ‬المستبعد‭ ‬جدا‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬حدوثه‭ ‬لمعجزة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ترضخ‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والتيارات‭ ‬والأحزاب‭ ‬لرغبة‭ ‬الشارع‭ ‬وتجري‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬لإدارة‭ ‬الدولة‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬ثورة‭ ‬اللبنانيين‭ ‬تساميهم‭ ‬على‭ ‬الانقسامات‭ ‬الطائفية‭ ‬وتمترسهم‭ ‬خلف‭ ‬لبنان‭ ‬وعلم‭ ‬لبنان‭ ‬ووحدة‭ ‬لبنان‭ ‬وأرزة‭ ‬لبنان،‭ ‬فهل‭ ‬يسمح‭ ‬باستمرار‭ ‬ذلك‭ ‬أرباب‭ ‬الطائفية‭ ‬وتجارها‭ ‬المستفيدون‭ ‬منها‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة‭. ‬حمى‭ ‬الله‭ ‬لبنان‭ ‬وشعبه‭ ‬وجيشه‭.‬