ريشة في الهواء

فشل الثورات

| أحمد جمعة

البداية‭ ‬كانت‭ ‬بمؤامرة‭ ‬حبكت‭ ‬بدهاء‭ ‬عربي‭ ‬أميركي‭ ‬أوروبي‭ ‬لإسقاط‭ ‬أقوى‭ ‬دولة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬وتفتيت‭ ‬أقوى‭ ‬جيش‭ ‬عربي،‭ ‬حيث‭ ‬تمثل‭ ‬ذلك‭ ‬بمشروع‭ ‬المحافظين‭ ‬القدماء‭ ‬والجدد‭ ‬على‭ ‬السواء‭ ‬بإدارتي‭ ‬بوش‭ ‬الأب‭ ‬والابن‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الحلقة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬السلسلة‭ ‬الطويلة،‭ ‬فالعراق‭ ‬كان‭ ‬أقوى‭ ‬حلقة‭ ‬وتفتيته‭ ‬وإلحاقه‭ ‬بإيران‭ ‬كان‭ ‬مستهل‭ ‬المشروع‭ ‬الغربي‭ ‬بإسقاط‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بحجة‭ ‬إسقاط‭ ‬الدكتاتوريات،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مضحك‭ ‬وسخيف‭ ‬بل‭ ‬هزلي،‭ ‬لأن‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬بحجة‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬وإحلال‭ ‬الديمقراطية‭ ‬كذبته‭ ‬المجزرة‭ ‬المروعة‭ ‬بالعراق‭ ‬مؤخراً‭ ‬التي‭ ‬أعدمت‭ ‬بدم‭ ‬بارد‭ ‬بيومين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مئة‭ ‬قتيل‭ ‬سقطوا‭ ‬بالرصاص‭ ‬الحي،‭ ‬وهذا‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬ملالي‭ ‬العراق‭ ‬فاق‭ ‬نظام‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬برر‭ ‬الأميركيون‭ ‬والأوروبيون‭ ‬غزوهم‭ ‬للعراق‭ ‬بحجة‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أثبت‭ ‬فيه‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الدبابات‭ ‬الأميركية‭ ‬والباصات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬أنه‭ ‬يتبنى‭ ‬الاستبداد‭ ‬والقتل‭ ‬منهجا‭.‬

في‭ ‬لبنان‭ ‬مشهد‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬دهشة‭ ‬عن‭ ‬الأول،‭ ‬ولكن‭ ‬بنمط‭ ‬مختلف،‭ ‬فلبنان‭ ‬تعرض‭ ‬لانقلاب‭ ‬استولى‭ ‬فيه‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬المشاركات‭ ‬والائتلافات‭ ‬الحزبية‭ ‬والحكومات‭ ‬المتتالية‭ ‬ورؤساء‭ ‬الجمهورية،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر،‭ ‬ظل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬يحكم‭ ‬لبنان‭ ‬إثر‭ ‬انقلاب‭ ‬هادئ‭ ‬وسري‭ ‬انتزع‭ ‬به‭ ‬السلطة‭ ‬بهدوء‭ ‬تدريجي‭ ‬حتى‭ ‬أضحى‭ ‬لبنان‭ ‬ولاية‭ ‬إيرانية،‭ ‬مؤخراً‭ ‬جاء‭ ‬الاعتراف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬بكل‭ ‬طوائفه‭ ‬التي‭ ‬يئست‭ ‬من‭ ‬تحكم‭ ‬الدين‭ ‬والأحزاب‭ ‬الطائفية‭ ‬لتثور‭ ‬بأسلوب‭ ‬شعبي‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬العنف‭ ‬والتخريب‭ ‬مطالبة‭ ‬بعودة‭ ‬السلطة‭ ‬للدولة‭ ‬الحقيقية‭ ‬وحكم‭ ‬النظام،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬ثورات‭ ‬الغوغاء‭ ‬والفوضى‭ ‬والتخريب،‭ ‬فحلم‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬هو‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬والغذاء‭ ‬والدواء‭ ‬والتعليم‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬الدول‭ ‬المستقرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُخْدع‭ ‬بالثورات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬المستوردة‭ ‬من‭ ‬مصانع‭ ‬الفوضى‭ ‬الغربية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الثمن‭ ‬باهظاً‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الثورة‭.‬

المشهد‭ ‬الآخر‭ ‬بالسودان،‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬جاء‭ ‬بانقلاب‭ ‬على‭ ‬النميري‭ ‬والنميري‭ ‬جاء‭ ‬بانقلاب‭ ‬على‭ ‬الذي‭ ‬قبله‭ ‬والذي‭ ‬قبله‭ ‬أطاح‭ ‬بالذي‭ ‬قبله‭ ‬ومن‭ ‬يومها‭ ‬لم‭ ‬يستقر‭ ‬السودان،‭ ‬وقس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬نتيجة‭ ‬ثورات‭ ‬وانقلابات‭ ‬دموية،‭ ‬والأنظمة‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬مستقرة‭ ‬على‭ ‬أنظمتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاستقرار‭ ‬والقواعد‭ ‬الثابتة،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬وثغرات‭ ‬ولكنها‭ ‬ظلت‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬ازدهارها،‭ ‬تعليم‭ ‬وصحة‭ ‬وكهرباء‭ ‬وإسكان‭ ‬وأسواق‭ ‬مليئة‭ ‬بالسلع‭ ‬والمنتجات‭ ‬من‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬وحرية‭ ‬سفر‭ ‬وتنقل‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬تسجن‭ ‬لمجرد‭ ‬تركيب‭ ‬جهاز‭ ‬فاكس‭ ‬بالمنزل‭ ‬أو‭ ‬صحن‭ ‬استقبال‭ ‬القنوات،‭ ‬بل‭ ‬لديك‭ ‬مختلف‭ ‬شبكات‭ ‬العالم‭ ‬تشاهد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬تشاء،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬أنظمة‭ ‬الثورات‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدول‭.‬

تنويرة‭: ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬التصفيق‭ ‬الجماعي‭ ‬دائماً‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬التأييد‭.‬