ومضة قلم

أزمة التقاعد الاختياري

| محمد المحفوظ

الآن‭ ‬وبعد‭ ‬مضي‭ ‬بضعة‭ ‬أشهر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬إقرار‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬بدأنا‭ ‬نكتشف‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭ ‬والخسارة‭ ‬الجسيمة‭ ‬نتيجة‭ ‬النقص‭ ‬الفادح‭ ‬لخروج‭ ‬آلاف‭ ‬الموظفين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام،‭ ‬وقد‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬إحلال‭ ‬موظفين‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يشغلها‭ ‬المتقاعدون،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬أمرا‭ ‬سهلا‭. ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬ووزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الوزارات‭ ‬تضررا،‭ ‬فنسبة‭ ‬المتقاعدين‭ ‬تفوق‭ ‬الـ‭ ‬64‭ % ‬في‭ ‬الصحة،‭ ‬وبعض‭ ‬المتقاعدين‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الطبي‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬التخصصات‭ ‬النادرة،‭ ‬والتفريط‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكفاءات‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة‭ ‬كان‭ ‬خطأ‭ ‬جسيما‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬دون‭ ‬تخطيط‭ ‬للمستقبل‭.‬

ولا‭ ‬نحسب‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬إنّ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تخطئه‭ ‬عين‭ ‬المتابع‭ ‬لواقع‭ ‬التربية‭ ‬يلمس‭ ‬أن‭ ‬أزمة‭ - ‬والبعض‭ ‬وصفها‭ ‬بالكارثة‭ - ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬تكدس‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬المدرسين‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬الوزارة‭ ‬إلى‭ ‬تكليف‭ ‬معلمي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بتدريس‭ ‬المواد‭ ‬الاجتماعية‭! ‬وطبعا‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬ثمن‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬الارتجالية‭ ‬هم‭ ‬الطلاب،‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يتلقون‭ ‬تعليما‭ ‬غير‭ ‬جيد،‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نلقي‭ ‬اللائمة‭ ‬على‭ ‬الهيئات‭ ‬التعليمية‭ ‬فهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭ ‬لأنهم‭ ‬ببساطة‭ ‬يجبرون‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأوامر‭!‬

أما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬وزارتي‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والصحة‭ ‬عدم‭ ‬التفريط‭ ‬بالأطباء‭ ‬والمعلمين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرات‭ ‬الطويلة،‭ ‬فقانون‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬بصيغته‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬شرع‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬جميع‭ ‬الموظفين‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬ويبدو‭ ‬لنا‭ ‬الآن‭ ‬وبعد‭ ‬الوضع‭ ‬الكارثي‭ ‬في‭ ‬الوزارتين‭ ‬أنّ‭ ‬الحل‭ ‬الأنسب‭ ‬هو‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬الراغبين‭ ‬من‭ ‬المتقاعدين‭ ‬للعودة‭ ‬بعقود‭ ‬مؤقتة‭ ‬لاستثمار‭ ‬طاقاتهم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وملء‭ ‬الفراغ،‭ ‬ولا‭ ‬نشك‭ ‬أن‭ ‬بين‭ ‬الأطباء‭ ‬والمعلمين‭ ‬من‭ ‬يرغبون‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الشروط‭ ‬منطقية‭ ‬وملائمة‭ ‬لهم‭.‬

إنّ‭ ‬قانون‭ ‬التقاعد‭ ‬الاختياري‭ ‬أتاح‭ ‬لأغلب‭ ‬الفئات‭ ‬ترك‭ ‬وظائفهم‭ ‬والمؤسف‭ ‬أنّ‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الشباب،‭ ‬وهم‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬العطاء‭ ‬ولا‭ ‬نشك‭ ‬أنهم‭ ‬الآن‭ ‬يشعرون‭ ‬بالفراغ‭ ‬والعزلة‭ ‬وهذا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬وضعهم‭ ‬النفسي‭ ‬والجسدي،‭ ‬وآخرون‭ ‬ربما‭ ‬ينتابهم‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والسأم‭ ‬ذلك‭ ‬أنهم‭ ‬يجدون‭ ‬حياتهم‭ ‬رتيبة‭ ‬بلا‭ ‬جدوى،‭ ‬لذا‭ ‬فإننا‭ ‬نتمنى‭ ‬إعادة‭ ‬من‭ ‬يرغب‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬الوظيفة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الواقع‭ ‬التعليمي‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭.‬