قهوة الصباح

بهروا الدنيا وما في يدهم إلا الحضارة

| سيد ضياء الموسوي

شعب‭ ‬اختصر‭ ‬كل‭ ‬الحضارة،‭ ‬يسبح‭ ‬في‭ ‬الجمال،‭ ‬ويمتشق‭ ‬رموش‭ ‬الحرية‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود‭ ‬أرغفة‭ ‬حب‭ ‬وأرغفة‭ ‬حرية‭. ‬أنتم‭ ‬معزوفات‭ ‬بيتهوفن،‭ ‬وألحان‭ ‬موزارت‭. ‬أنتم‭ ‬مفردات‭ ‬أوسكار‭ ‬وايلد،‭ ‬أنتم‭ ‬لوحات‭ ‬دافينشي‭ ‬وتمتمات‭ ‬نيتشه‭ ‬وتكعيبية‭ ‬بيكاسو‭. ‬يا‭ ‬شعر‭ ‬دانتي‭ ‬ونزاريات‭ ‬نزار‭ ‬ونثريات‭ ‬جبران‭. ‬صدمتنا‭ (‬سويسرا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭) ‬لبنان‭ ‬وكل‭ ‬اللبنانيين‭ ‬جمالًا‭ ‬وحضارة‭ ‬نص‭ ‬وأناقة‭ ‬شعار‭. ‬أنتم‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذئاب‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬تعوي،‭ ‬وأعظم‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬البنادق‭ ‬والبيارق‭ ‬والمحاصصات،‭ ‬وهي‭ ‬تستعيد‭ ‬فرحها‭ ‬المسروق‭ ‬زهرا‭ ‬وحدائق‭. ‬كبير‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬اللبناني،‭ ‬كافرا‭ ‬بأنياب‭ ‬الأحزاب‭ ‬وأسماك‭ ‬قرش‭ ‬التكتلات‭ ‬وإسمنتية‭ ‬الأطر‭ ‬الضيقة‭ ‬وبورصات‭ ‬المرتهنين‭ ‬والمقامرين‭ ‬للحسابات‭ ‬الضيقة‭. ‬كبير‭ ‬وأنت‭ ‬تكون‭ ‬للجميع،‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬إلا‭ ‬بالعودة‭ ‬للوطن،‭ ‬للإنسانية،‭ ‬للمدنية،‭ ‬للديمقراطية‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فما‭ ‬عاد‭ ‬يجدي‭ ‬عبودية‭ ‬الأفراد‭ ‬والأصنام‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬التمر‭ ‬والاستعباد‭ ‬والاستلاب‭ ‬باسم‭ ‬الأحزاب‭ ‬والطائفة‭ ‬والمنطق‭ ‬المناطقي‭ ‬والفئوي‭. ‬تريدونها‭ ‬مدنية،‭ ‬وتوكنوقواط،‭ ‬وشفافية‭ ‬وعدالة‭ ‬ومساواة‭ ‬بلا‭ ‬دم‭ ‬أزرق،‭ ‬بلا‭ ‬وجوه‭ ‬مخملية‭ ‬بلا‭ (‬نبلاء‭) ‬مهربين‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬فرزاي‭. ‬أثبت‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬مرتهن‭ ‬لا‭ ‬للشيعة‭ ‬ولا‭ ‬للسنة‭ ‬ولا‭ ‬للدروز‭ ‬ولا‭ ‬للمسيحي‭ ‬بل‭ ‬للإنسان‭. ‬وإنه‭ ‬فقط‭ ‬وفقط‭ ‬للمدنية‭ ‬وفصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬الدولة‭. ‬لا‭ ‬للدولة‭ ‬الدينية‭ ‬السنية‭ ‬والشيعية‭ ‬والمسيحية‭ ‬والدرزية،‭ ‬نعم‭ ‬للإنسان‭. ‬نعم‭ ‬للبنان‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران،‭ ‬وهاني‭ ‬فحص‭ ‬وسعيد‭ ‬عقل‭ ‬وفيروز‭ ‬والرحبانية‭. ‬نعم‭ ‬لفصل‭ ‬السلطات،‭ ‬نعم‭ ‬لعملقة‭ ‬القانون‭ ‬وتقوية‭ ‬المؤسسات‭ ‬نعم‭ ‬للشفافية‭ ‬ولا‭ ‬للفساد،‭ ‬ولا‭ ‬لدولة‭ ‬داخل‭ ‬دولة،‭ ‬لا‭ ‬للعمولات،‭ ‬لا‭ ‬للاقطاع،‭ ‬لا‭ ‬للثراء‭ ‬السريع‭ ‬والتضخم‭ ‬من‭ ‬صفقات‭ ‬المشاريع‭ ‬والحسابات‭ ‬التي‭ ‬تنتفخ‭ ‬بلسع‭ ‬ظهور‭ ‬اللبنانيين‭ ‬من‭ ‬الصفقات‭ ‬المتبادلة‭ ‬ومناقصات‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬والناس‭ ‬تموت‭ ‬جوعا‭. ‬

أنتم‭ ‬أيها‭ ‬اللبنانيون‭ ‬أثبتم‭ ‬بساحة‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬وساحة‭ ‬رياض‭ ‬الصلح‭ ‬وكل‭ ‬الساحات،‭ ‬عودة‭ ‬النار‭ ‬المقدسة،‭ ‬أنتم‭ ‬بروميثيوس‭ ‬العرب،‭ ‬سارق‭ ‬النار‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬الأسطورة‭ ‬الإثينية‭ ‬الذي‭ ‬ضحى‭ ‬بحياته‭ ‬ليحمي‭ ‬أبناء‭ ‬أثينا‭ ‬ورمى‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬النار؛‭ ‬ليجلب‭ ‬لهم‭ ‬شعلة‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬لن‭ ‬تهزموا‭ ‬وأنتم‭ ‬تتمسكون‭ ‬بالإنسانية‭ ‬طريقا،‭ ‬والوطن‭ ‬ملاذًا‭ ‬والديمقراطية‭ ‬بلا‭ ‬حصص‭ ‬طائفية‭ ‬سبيلًا‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬إلى‭ ‬البقاع‭ ‬إلى‭ ‬صيدا‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭. ‬لله‭ ‬دركم،‭ ‬وأنتم‭ ‬تبهرون‭ ‬العالم‭ ‬وأنتم‭ ‬تشعون‭ ‬سعادة‭ ‬ومرحًا‭ ‬وأغاني‭ ‬وأهازيج‭ ‬وكأنكم‭ ‬توصلون‭ ‬للعالم‭ ‬قصيدة‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ (‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الحياة‭ ) ‬طربا‭ ‬وأغاني‭ ‬وأهازيج‭ ‬وتسامحًا‭ ‬وعفوية‭ ‬وتحضرا‭ ‬وحضارة؛‭ ‬لم‭ ‬تلوثوا‭ ‬ألسنتكم‭ ‬شتمًا‭ ‬عنصريًا‭ ‬لمقدسات‭ ‬طائفة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬طائفة،‭ ‬أو‭ ‬تهبطوا‭ ‬لتصطفوا‭ ‬خلف‭ ‬دين‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬أو‭ ‬زعيم‭ ‬على‭ ‬زعيم؛‭ ‬بل‭ ‬انتصرتم‭ ‬للإنسان‭ ‬اللبناني‭ ‬بلا‭ ‬أرقام‭ ‬رخيصة‭ ‬تترهل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬بث‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬محتكرة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬حروفها‭ ‬المكررة‭. ‬

كنت‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عندما‭ ‬اندلعت‭ ‬مظاهرات‭ ‬أصحاب‭ ‬السترة‭ ‬الصفراء،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬برشلونة‭ ‬في‭ ‬المظاهرات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وشهدت‭ ‬مظاهرات‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاما،‭ ‬ومظاهرات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أر‭ ‬مثلكم‭ ‬كبارا‭ ‬وسموا‭ ‬كالسماء،‭ ‬وافقا‭ ‬معرفيا‭ ‬كالأفق‭ ‬امتدادا‭ ‬لم‭ ‬ترفعوا‭ ‬شعارا‭ ‬دينيا‭ ‬واحدًا،‭ ‬ولا‭ ‬طائفيا‭ ‬ولا‭ ‬حزبيا‭ ‬كافرين‭ ‬بالسفارات‭ ‬والدول‭ ‬والقنوات‭. ‬أنتم‭ ‬لبنان‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بلد‭ ‬العروبة‭ ‬والانتماء‭. ‬بلد‭ ‬المسجد‭ ‬يعانق‭ ‬الكنيسة،‭ ‬والأذان‭ ‬يحتضن‭ ‬القداس‭ ‬مسلمين‭ ‬ومسيحيين‭ ‬ودروزا‭. ‬لا‭ ‬لمنطق‭ ‬الأقليات،‭ ‬بل‭ ‬منطق‭ ‬المساواة،‭ ‬منطق‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬منطق‭ ‬الإبداع‭ ‬والحضارة‭ ‬والحداثة‭.‬‭ ‬أنتم‭ ‬وحدكم‭ ‬غيرتم‭ ‬المعادلة‭ ‬ولم‭ ‬نر‭ ‬بكل‭ ‬العالم‭ ‬كيف‭ ‬لمظاهرات‭ ‬سلمية‭ ‬أشبه‭ ‬بالأوركسترا‭ ‬والمهرجانات‭ ‬الزاهية‭ ‬والدبكة‭ ‬والرقص‭ ‬تفرض‭ ‬شروطها‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬وكأنكم‭ ‬ترتلون‭ ‬رواية‭ ‬تولستوي‭ (‬الحرب‭ ‬والسلام‭) !!! ‬كأنكم‭ ‬هوجو‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬عودة‭ ‬العدالة‭ ‬لـ‭ (‬البؤساء‭). ‬أنتم‭ ‬تشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬في‭ ‬المسح‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬يتيم‭ ‬لبناني‭ ‬في‭ (‬اولفرتويست‭)‬،‭ ‬وترددون‭ ‬رواية‭ ‬همنجوى‭ (‬وداعًا‭ ‬للسلاح‭)‬،‭ ‬ونعم‭ ‬للحب‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬لبناني‭ ‬ولبناني‭. ‬هنا‭ ‬تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬السلم،‭ ‬عندما‭ ‬يحرج‭ ‬الدكتاتور‭ ‬السادي‭ ‬السيكوباتي‭ ‬الأبوي‭ ‬البطريركي‭ ‬الشوزفريني،‭ ‬الاقطاعي،‭ ‬الكليالي‭ ‬القروسطي‭ ‬بمنطق‭ ‬بيانو‭ ‬الكلمات،‭ ‬وسمفونيات‭ ‬العزف‭ ‬الإنساني،‭ ‬وترابط‭ ‬القلوب‭ ‬الزاهية‭ ‬كفراشة‭ ‬زرقاء‭. ‬

أيها‭ ‬المتظاهر‭ ‬اللبناني‭ ‬الجميل‭ ‬الحضاري‭ ‬الكبير،‭ ‬يا‭ ‬لوركا‭ ‬العصر‭ ‬قصيدة‭ ‬فداء،‭ ‬ويا‭ ‬سلفادور‭ ‬دالي‭ ‬العرب‭ ‬لوحة‭ ‬جمال،‭ ‬وسمو‭ (‬أنتوني‭ ‬دالي‭) ‬كنيسة‭ (‬ساغرادافاميليا‭) ‬لبنان‭ ‬قِدما‭ ‬وسماء،‭ ‬يا‭ ‬برج‭ ‬إيفل‭ ‬علوًا،‭ ‬ونهر‭ ‬السين‭ ‬طولا،‭ ‬وشجر‭ ‬الأرز‭ ‬امتدادًا،‭ ‬وشمس‭ ‬كربلاء‭ ‬وأوجاع‭ ‬المسيح‭ ‬وقوفًا‭ ‬مع‭ ‬عرق‭ ‬الفقير‭ ‬وحزن‭ ‬اليتيم‭. ‬بهرتم‭ ‬العالم‭ ‬جمالًا‭ ‬وحضارة‭ ‬وسلما‭. ‬عشتم‭ ‬وعاش‭ ‬لبنان‭ ‬حضارة‭ ‬ومدنية‭. ‬فإن‭ ‬قال‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬في‭ ‬انتفاضة‭ ‬الحجارة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭: (‬بهروا‭ ‬الدنيا‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬يدهم‭ ‬إلا‭ ‬الحجارة‭) ‬فنقول‭ ‬لكل‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬وهم‭ ‬يخطون‭ ‬قدرهم‭ ‬بصدق‭ ‬الحرف‭ ‬وصرخة‭ ‬الوجع‭: (‬بهروا‭ ‬الدنيا‭ ‬وما‭ ‬في‭ ‬يدهم‭ ‬إلا‭ ‬الحضارة‭).‬