وَخْـزَةُ حُب

لا تقتل التلميذ... فيك!

| د. زهرة حرم

من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬التلميذ‭ ‬داخلنا؛‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬ننتهي‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬دراسية‭ ‬معينة‭! ‬فنرمي‭ ‬ما‭ ‬ظننا‭ ‬أننا‭ (‬لُقِّـنّا‭) ‬إيّاه‭ ‬من‭ ‬معلوماتٍ‭ ‬أو‭ ‬معارف‭ ‬وتجارب؛‭ ‬عند‭ ‬أول‭ ‬سلة‭ ‬مهملات،‭ ‬وكأننا‭ ‬كنا‭ ‬–‭ ‬وقتها‭ - ‬نتجشّم‭ ‬عناء‭ ‬أحمالٍ‭ ‬ثقيلة‭ ‬على‭ ‬ظهورنا،‭ ‬وننتظر‭ ‬ساعة‭ ‬الفرج‭ ‬التي‭ ‬تُـؤذِن‭ ‬بالتخفف‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬نفضها؛‭ ‬لندخل‭ ‬في‭ ‬استراحة‭ ‬عقلية‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تنقضي،‭ ‬فيما‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬راحة‭ ‬بال،‭ ‬وهدوء،‭ ‬وسكينة‭!‬

الغالبية‭ ‬منا‭ ‬تجتهد‭ ‬وتكدّ،‭ ‬وتمدّ‭ ‬ساعات‭ ‬النهار‭ ‬إلى‭ ‬الليل،‭ ‬مُنكبّة‭ ‬على‭ ‬دراستها؛‭ ‬بهدف‭ ‬بلوغ‭ ‬درجة‭ ‬التفوق‭ ‬أو‭ ‬النجاح،‭ ‬لكنها،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تَفرُغ‭ ‬من‭ ‬صبِّ‭ ‬الإجابات‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬الامتحان؛‭ ‬حتى‭ ‬تنسى‭ ‬كل‭ ‬كلمة‭ ‬وحرف‭! ‬ولو‭ ‬أُعيد‭ ‬الامتحان‭ ‬ذاته؛‭ ‬لفشلت‭ ‬فشلا‭ ‬سافرًا‭! ‬والسبب‭ ‬بإيجاز؛‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬العقلية‭ ‬النفعية‭ ‬الآنية‭ (‬البراجماتية‭) ‬التي‭ ‬اعتادها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدارسين‭! ‬فهم‭ ‬يدرسون‭ ‬بهدف‭ ‬اجتياز‭ ‬مرحلة‭ ‬ودخول‭ ‬أخرى،‭ ‬وليكملوا‭ ‬العدة‭ ‬الدراسية‭ (‬المدّة‭)‬،‭ ‬لا‭ ‬ليتعلموا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭! ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فرقًا‭ ‬بيِّنا‭ ‬بين‭ ‬الدرس‭ ‬والتعلم؛‭ ‬فالدرس‭ ‬وسيلة،‭ ‬والتعلم‭ ‬غاية؛‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عنده‭ ‬–‭ ‬غالبًا‭ - ‬الدارس‭ ‬أو‭ ‬المعلم‭!‬

هناك‭ ‬اعتقاد‭ ‬سائد‭ ‬بشدة‭ ‬أن‭ ‬الدراسة‭ ‬غايتها‭ ‬الشهادة‭ ‬فالوظيفة‭! ‬هذا‭ ‬صحيح‭ ‬نسبيًا،‭ ‬ولكنه‭ ‬غير‭ ‬مفيدٍ‭ ‬في‭ ‬المطلق‭! ‬إذ‭ ‬يَفقدُ‭ ‬الدارس‭ ‬المتعة‭ ‬الروحية‭ ‬للعلم؛‭ ‬حين‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬بوصفه‭ ‬مجرد‭ ‬مطيّة‭ ‬لمستقبله‭ ‬الوظيفي‭ ‬فقط‭! ‬فإذا‭ ‬بلغ‭ ‬مرادَه‭ ‬توقف‭ ‬–‭ ‬نهائيًا‭ - ‬عن‭ ‬التعلم،‭ ‬والبحث،‭ ‬والقراءة،‭ ‬واكتساب‭ ‬الجديد؛‭ ‬فقتل‭ ‬بهذا‭ ‬السلوك‭ ‬التلميذَ‭ ‬النجيب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسكنه‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يدري؛‭ ‬يُدخل‭ ‬عقله‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التعطل‭ ‬والشللية؛‭ ‬فيصبح‭ ‬–‭ ‬تدريجيًا‭ - ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬استحضار‭ ‬أو‭ ‬استثمار‭ ‬ما‭ ‬درس‭ - ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬وقتيًا‭ ‬ونفعيًا‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬يغدو‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬والاستجابة‭ ‬المرنة‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬وأشخاص‭! ‬

هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬العُطلة‭ ‬الدراسية،‭ ‬التي‭ ‬يرتاح‭ ‬فيها‭ ‬الطلاب‭ - ‬وقتيًا‭ - ‬وبين‭ ‬العُطلة‭ ‬العقلية‭! ‬فلماذا‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬بينهما،‭ ‬وكأنهما‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة‭!‬؟‭ ‬ولماذا‭ ‬نلجأ‭ ‬–‭ ‬بكل‭ ‬طواعية‭ ‬وسرور‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬إغلاق‭ ‬كل‭ ‬منافذ‭ ‬التعلم،‭ ‬وكأننا‭ ‬اكتفينا‭ ‬بما‭ ‬أثقلنا‭ ‬به‭ ‬عقولنا‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة؛‭ ‬فما‭ ‬عُدنا‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬المزيد‭ ‬أو‭ ‬الجديد‭! ‬هذا‭ ‬انغلاق‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بعقولنا‭ ‬البشرية‭ ‬المجبولة‭ ‬على‭ ‬الفضول‭ ‬المعرفي،‭ ‬والحوار،‭ ‬والعيش‭ ‬–‭ ‬بانفتاحٍ‭ ‬–‭ ‬مع‭ ‬الجميع‭! ‬إن‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تتعلمُ‭ ‬فيه؛‭ ‬ميلادٌ‭ ‬جديد،‭ ‬قيمة‭ ‬حقيقية‭ ‬مضافة‭ ‬إلى‭ ‬رصيدك‭ ‬الفكري،‭ ‬نجاحٌ‭ ‬يتخطى‭ ‬حدود‭ ‬الشهادات‭ ‬الوقتية،‭ ‬والمهام‭ ‬الوظيفية‭! ‬أنْ‭ ‬تتعلم‭ ‬يعني؛‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬تلميذًا‭ ‬فتيًّا‭ ‬يافعًا؛‭ ‬فالعقول‭ ‬المفتوحة‭ ‬لا‭ ‬تشيخ‭! ‬فلماذا‭ ‬تقتل‭ ‬التلميذ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يومًا‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فيك؟‭!.‬